قوله تعالى: { من العذاب المُهينِ } يعني قتل الأبناء واستخدام النساء والتعب في أعمال فرعون، { إنه كان عالياً } أي: جبَّاراً. { ولقد اخْتَرْناهم } يعني بني إِسرائيل { على عِلْمٍ } عَلِمه اللهُ فيهم على عالَمي زمانهم، { وآتيناهم من الآيات } كانفراق البحر، وتظليل الغمام، وإِنزال المَنِّ والسَّلْوى، إلى غير ذلك { ما فيه بلاءُ مُبِينٌ } أي: نِعمة ظاهرة. ثم رجع إلى ذِكْر كفار مكة، فقال: { إِنَّ هؤلاء لَيَقُولون إِنْ هي إلاّ موْتَتُنا الأولى } يعنون التي تكون في الدنيا { وما نحن بمُنْشَرِين } أي: بمبعوثِين، { فائتوا بآبائنا } أي: ابعثوهم لنا { إِن كنتم صادقين } في البعث. وهذا جهل منهم من وجهين: أحدهما: أنهم قد رأوا من الآيات ما يكفي في الدلالة؛ فليس لهم أن يتنطّعوا. والثاني: أن الإِعادة للجزاء؛ وذلك في الآخرة، لا في الدنيا. ثم خوَّفهم عذابَ الأُمَم قَبْلَهم فقال: { أَهُمْ خَيْرٌ } أي: أشَدُّ وأقوى { أَمْ قََوْمُ تُبَّعٍ }؟! أي: ليسوا خيراً منهم. روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما أدري تُبَّعاً، نبيّ، أو غير نبيّ " وقالت عائشة: لا تسُبُّوا تُبَّعاً فإنه كان رجلاً صالحاً، ألا ترى أن الله تعالى ذَمَّ قومَه ولم يذُمَّه. وقال وهب: أسلَم تُبَّع ولم يُسْلِم قومُه فلذلك ذُكر قومه ولم يُذكر. وذكر بعض المفسرين أنه كان يعبدُ النار، فأسلم ودعا قومَه ـ وهم حِمْيَر ـ إِلى الإِسلام فكذَّبوه. فأمّا تسميته بـ { تُبَّع } فقال أبو عبيدة: كل ملِك من ملوك اليمن كان يسمّى: تُبَّعاً، لأنه يَتْبَع صاحبَه، فموضعُ " تُبَّع " في الجاهلية موضعُ الخليفة في الإِسلام وقال مقاتل: إنما سمِّي تُبَّعاً لكثرة أتباعه، واسمه: مَلْكَيْكَرِب. وإِنما ذكر قوم تُبَّع، لأنهم كانوا أقربَ في الهلاك إِلى كفار مكة من غيرهم. وما بعد هذا قد تقدم [الأنبياء: 16] [الحجر: 85] إِلى قوله تعالى: { إِنَّ يومَ الفَصْل } وهو يوم يَفْصِلُ اللهُ عز وجل بين العباد { ميقاتُهم } أي: ميعادهم { أجمعين } يأتيه الأوَّلون والآخِرون. { يومَ لايُغْنِي مولىً عن مولىً شيئاً } فيه قولان: أحدهما: لا يَنْفَع قريبٌ قريباً، قاله مقاتل. وقال ابن قتيبة: لا يُغْنِي وليٌّ عن وليِّه بالقرابة أو غيرها. والثاني: لا يَنْفَع ابنُ عمٍّ ابنَ عمِّه، قاله أبو عبيدة. { ولا هُمْ يُنْصَرون } أي، لا يُمْنَعون من عذاب الله، { إِلاّ مَنْ رَحِمَ اللهُ } وهم المؤمنون، فإنه يشفع بعضهم في بعض.