الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ } * { أَنْ أَدُّوۤاْ إِلَيَّ عِبَادَ ٱللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } * { وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِنِّيۤ آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ } * { وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي فَٱعْتَزِلُونِ } * { فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ } * { فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ } * { وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } * { كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } * { وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ } * { كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ } * { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ }

قوله تعالى: { ولقد فتَنّا } أي ابتَلَينا { قَبْلَهم } أي: قَبْلَ قومك { قومَ فرعون } بارسال موسى إِليهم { وجاءهم رسولٌ كريمٌ } وهو موسى بن عمران.

وفي معنى { كريم } ثلاثة أقوال.

أحدها: حسن الخُلُق، قاله مقاتل.

والثاني: كريم على ربِّه، قاله الفراء.

والثالث: شريفٌ وسيطُ النسب، قاله أبو سليمان.

قوله تعالى: { أن أدُّوا } أي: بان أدُّوا { إِليَّ عبادَ الله } وفيه قولان:

أحدهما: أدُّوا إلى ما أدعوكم إليه من الحق باتِّباعي، روى هذا المعنى العوفي عن ابن عباس. فعلى هذا ينتصب { عبادَ الله } بالنداء قال الزجاج: ويكون المعنى أن أدُّوا إِليَّ ما آمُركم به يا عباد الله.

والثاني: أرسِلوا معي بني إِسرائيل، قاله مجاهد، وقتادة، والمعنى: أطلِقوهم من تسخيركم، وسلِّموهم إِليَّ.

{ وأن لا تَعْلُوا على الله } فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: لا تفتروا عليه، قاله ابن عباس.

والثاني: لا تعتوا عليه، قاله قتادة.

والثالث: لا تعظَّموا عليه، قاله ابن جريج { إنِّي آتيكم بسلطان مبين } أي: بحجة تدل على صدقي.

فلمّا قال هذا تواعدوه بالقتل فقال: { وإِنِّي عُذْتُ بربِّي وربِّكم أن ترجُمونِ } وفيه قولان.

أحدهما: أنه رجم القول، قاله ابن عباس؛ فيكون المعنى: أن يقولوا: شاعر أو مجنون.

والثاني: القتل، قاله السدي. { وإِن لم تؤمِنوا لي فاعتزلونِ } أي: فاتركوني لا معي ولا علَيَّ، فكفروا ولم يؤمنوا { فدعا ربَّه أنَّ هؤلاء } قال الزجاج: من فتح { أنَّ } فالمعنى: بأن هؤلاء؛ ومن كسر، فالمعنى: قال: إِن هؤلاء، { وإِنّ } بعد القول مكسورة. وقال المفسرون: المجرمون. هاهنا: المشركون.

فأجاب اللهُ دعاءه، وقال { فأسْرِ بعبادي ليلاً } يعني بالمؤمنين { إِنكم متَّبَعونَ } يتبعكم فرعون وقومه؛ فأعلمهم أنهم يتبعونهم، وأنه سيكون سبباً لغرقهم.

{ واترُكِ البحر رَهْواً } أي ساكناً على حاله بعد أن انفرق لك، ولا تأمره أن يرجع كما كان حتى يدخُلَه فرعون وجنوده. والرَّهْو: مشيٌ في سُكون.

قال قتادة: لمّا قطع موسى عليه السلام البحر، عطف يضرب البحر بعصاه ليلتئم، وخاف أن يتبعه فرعون وجنوده، فقيل [له]: " واترك البحر رَهْواً " ، أي كما هو ـ طريقاً يابساً.

قوله تعالى: { إِنهم جُنْدٌ مُغْرَقون } أخبره الله عز وجل بغرقهم لِيَطْمَئِنَّ قلبُه في ترك البحر على حاله.

{ كم تَرَكوا } أي: بعد غرقهم { مِنْ جَنَّاتٍ } وقد فسرنا الآية في [الشعراء:57]. فأما " النَّعمة " فهو العيش اللَّيِّن الرغد. وما بعد هذا قد سبق بيانه [يس:55] إِلى قوله: { وأَوْرَثْناها قوماً آخَرين } يعني بني إسرائيل.

{ فما بَكَتْ عليهم السماءُ } أي: على آل فرعون وفي معناه ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه على الحقيقة؛ روى أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما مِنْ مُسْلِمٍ إٍلاّ وله في السماء بابان، باب يصعَدُ فيه عمله، وباب ينزل منه رزقه، فإذا مات بكيا عليه "

السابقالتالي
2