الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمآءِ إِلَـٰهٌ وَفِي ٱلأَرْضِ إِلَـٰهٌ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَتَبَارَكَ ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { وَلاَ يَمْلِكُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَن شَهِدَ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ } * { وَقِيلِهِ يٰرَبِّ إِنَّ هَـٰؤُلاَءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ } * { فَٱصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { وهو الذي في السماء إِله وفي الأرض إِله } قال مجاهد، وقتادة: يُعْبَد في السماء ويُعْبَد في الأرض. وقال الزجاج: هو الموحَّد في السماء وفي الأرض. وقرأ عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وابن عباس، وابن السميفع، وابن يعمر والجحدري: " في السماء اللهُ وفي الأرض الله " بألف ولام من غير تنوين ولا همز فيهما. وما بعد هذا سبق بيانه [الأعراف:54] [لقمان:34] إِلى قوله: { ولا يَمْلِكُ الذين يَدْعُونَ مِنْ دُونه الشفاعة } سبب نزولها أن النضر بن الحارث ونفراً معه قالوا: إن كان ما يقول محمد حَقّاً فنحن نتولّى الملائكة، فهم أحق بالشفاعة من محمدٍ. فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل.

وفي معنى الآية قولان:

أحدهما: أنه أراد بالذين يَدْعَون مِنْ دونه: آلهتهم، ثم استثنى عيسى وعزيرَ والملائكةَ فقال: { إلاّ مَنْ شَهِدَ بالحق } وهو أن يشهد أن لا إله إلا الله { وهم يَعلمون } بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم، وهذا مذهب الأكثرين، منهم قتادة.

والثاني: أن المراد بالذين يَدْعُون: عيسى وعزيرُ والملائكةُ الذين عبدهم المشركون بالله لا يَمْلِك هؤلاء الشفاعةَ لأحد { إلاَ مَنْ شَهِد } أي: [إلاَ] لِمَنْ شَهِد { بالحق } وهي كلمة الإِخلاص { وهم يَِعْلَمون } أن الله عز وجل خلق عيسى وعزير والملائكة، وهذا مذهب قوم منهم مجاهد. وفي الآية دليل على أن شرط جميع الشهادات أن يكون الشاهد عالماً بما يَشهد به.

قوله تعالى: { وقِيلِهِ ياربِّ } قال قتادة: هذا نبيُّكم يشكو قومَه إِلى ربِّه. وقال ابن عباس: شكا إلى الله تخلُّف قومه عن الإِيمان. قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وأبو عمرو: { وقِيلَه } بنصب اللام؛ وفيها ثلاثة أوجه.

أحدها: أنه أضمر معها قولاً كأنه قال: وقال قيلَه وشكا شكواه إِلى ربِّه.

والثاني: أنه عطف على قوله: { أم يَحسبون أنّا لانسمع سِرَّهم ونجواهم } وقِيلَه؛ فالمعنى: ونَسمع قِيلَه، ذكر القولين الفراء، والأخفش.

والثالث: أنه منصوب على معنى: وعنده عِلْم الساعة ويَعْلَم قِيلَه، لأن معنى " وعنده عِلْمُ الساعة ": يَعْلَم الساعة ويَعْلَم قِيلَه. هذا اختيار الزجاج. وقرأ عاصم، وحمزة: { وقِيلهِ } بكسر اللام والهاء حتى تبلغ إِلى الياء؛ والمعنى: وعنده عِلْم الساعة وعِلْمُ قِيلِه. وقرأ أبو هريرة وأبو رزين، وسعيد بن جبير، وأبو رجاء، والجحدري، وقتادة، وحميد: برفع اللام؛ والمعنى: ونداؤه هذه الكلمة: يارب؛ ذكر عِلَّة الخفض والرفع الفراء والزجاج.

قوله تعالى: { فاصْفَحْ عنهم } أي فأعْرِض عنهم { وقُلْ سلامٌ } فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: قُلْ خيراً بدلاً من شرِّهم، قاله السدي.

والثاني: ارْدُد [عليهم] معروفاً، قاله مقاتل.

والثالث: قُلْ ما تَسْلَم به من شرِّهم، حكاه الماوردي.

{ فسوف يَعْلَمونَ } فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: يَعْلَمون عاقبة كفرهم.

والثاني: أنك صادق.

والثالث: حلول العذاب بهم، وهذا تهديد لهم: " فسوف يعلمون ". وقرأ نافع، وابن عامر: " تعلمون " بالتاء. ومن قرأ بالياء، فعلى الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يخاطبهم بهذا، قاله مقاتل؛ فنَسختْ آيةُ السيف الإِعراضَ والسلامَ.