قوله تعالى: { واسألْ مَنْ أرسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا } إن قيل: كيف يسأل الرُّسل وقد ماتوا قبله؟ فعنه ثلاثة أجوبة: أحدها: أنه لمّا أُسري به جُمع له الأنبياءُ فصلَّى بهم، ثم قال[له] جبريل: سَلْ من أرسَلْنا قَبْلَك...الآية. فقال: لا أَسألُ، قد اكتَفَيْتُ. رواه عطاء عن ابن عباس. وهذا قول سعيد بن جبير، والزهري، وابن زيد؛ قالوا: جُمع له الرُّسل ليلةَ أُسري به، فلقَيهم، وأُمر أن يسألَهم، فما شَكّ ولا سأل. والثاني: أن المراد: [اسأل] مؤمني أهل الكتاب [من] الذين أرسلت إِليهم الأنبياء، روي عن ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، والسدي في آخرين. قال ابن الأنباري: والمعنى سَلْ أتباع مَنْ أرسَلْنا قَبْلَكَ، كما تقول: السخاء حاِتم، أي: سخاء حاتِم، والشِّعر زهير، أي: شِعر زهير. وعند المفسرين أنه لم يسأل على القولين. وقال الزجاج: هذا سؤال تقرير، فإذا سأل جميع الأمم، لم يأتوا بأن في كتبهم: أن اعبدوا غيري. والثالث: [أن] المُراد بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم: خطابُ أُمَّته، فيكون المعنى: سَلُوا، قاله الزجاج. وما بعد هذا ظاهر إلى قوله: { إذ هُمْ منها يَضحكون } استهزاءً بها وتكذيباً. { وما نُريهم مِنْ آيةٍ إِلاّ هي أكبرُ مِنْ أُختها } يعني ما ترادف عليهم من الطُّوفان والجراد والقُمَّل والضَّفادع والدَّم والطَّمْس، فكانت كُلُّ آية أكبرَ من التي قَبْلَها، وهي العذاب المذكور في قوله: { وأَخَذْناهم بالعذاب } ، فكانت عذاباً لهم، ومعجزات لموسى عليه السلام. قوله تعالى: { وقالوا يا أيُّها السّاحر } في خطابهم له بهذا ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم أرادوا: يا أيها العالِم، وكان الساحر فيهم عظيماً، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: أنهم قالوه على جهة الاستهزاء، قاله الحسن. والثالث: أنهم خاطبوه بما تقدَّم له عندهم من التَّسمية بالسّاحر، قاله الزجّاج. قوله تعالى: { إنَّنا لَمُهتدون } أي: مؤمنون بك. فدعا موسى فكُشف عنهم، فلم يؤمِنوا. وقد ذكرنا ما تركناه هاهنا في [الأعراف: 135]. قوله تعالى: { تَجْرِي مِنْ تَحتي } أي: من تحت قصوري { أفلا تُبْصِرونَ } عظَمتي وشِدَّةَ مُلكي. ؟! { أَمْ أنا خَيْرٌ } قال أبو عبيدة: أراد: بل أنا خَيْرٌ. وحكى الزجاج عن سيبويه والخليل أنهما قالا: عطف { أنا } بـ { أمْ } على { أفلا تُبْصِرون } [فكأنه قال: أفلا تُبْصِرون] أم أنتم بُصَراء؟!. لأنهم إِذا قالوا: أنتَ خيرٌ منه، فقد صاروا عنده بُصَراءَ. قال الزجاج: والمَهينِ القليل؛ يقال: شيء مَهِين، أي: قليل. وقال مقاتل: " مَهِين " بمعنى ذليل ضعيف. قوله تعالى: { ولا يكاد يُبين } أشار إِلى عُقدة لسانه التي كانت به ثم أذهبها الله عنه، فكأنه عيَّره بشيءٍ قد كان وزال، ويدل على زواله قوله تعالى:{ قد أُوتيتَ سؤلكَ يا موسى } [طه: 36]، وكان في سؤاله: