الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } * { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } * { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } * { وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ } * { وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ }

قوله تعالى: { وقالوا لولا } أي: هلاّ { نُزِلَ هذا القرآنُ على رجل من القريتين عظيمٍ } أمّا القريتان، فمكَّة والطائف، قاله ابن عباس، والجماعة؛ وأمّا عظيم مكَّة، ففيه قولان:

أحدهما: الوليد بن المغيرة القرشي، رواه العوفي وغيره عن ابن عباس، [وبه قال قتادة، والسدي].

والثاني: عُتبة بن ربيعة، قاله مجاهد. وفي عظيم الطائف خمسة أقوال.

أحدها: حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي، رواه العوفي عن ابن عباس.

والثاني: مسعود بن عمرو بن عبيد الله، رواه الضحاك عن ابن عباس.

والثالث: أنه أبو مسعود عروة بن مسعود الثقفي، رواه ليث عن مجاهد وبه قال قتادة.

والرابع: [أنه] ابن عَبْد ياليل، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد.

والخامس: كنانة بن عبد [بن] عمرو بن عمير الطائفي، قاله السدي.

فقال الله عز وجل ردّاً عليهم وإِنكاراً { أَهُمْ يَقْسِمون رحمةَ ربِّكَ } يعني النُّبوَّة، فيضعونها حيث شاؤوا، لأنهم اعترضوا على الله بما قالوا.

{ نحن قَسَمْنا بينهم معيشتهم } المعنى أنه إِذا كانت الأرزاق بقَدَر الله، لا بحول المحتال ـ وهو دون النُّبوَّة ـ فكيف تكون النًّبوَّة؟! قال قتادة: إِنك لَتَلْقَى ضعيفَ الحِيلة عَييَّ اللِّسان قد بُسِطَ له الرِّزْقُ، وتَلْقَى شديدَ الحِيلة بسيط اللسان وهو مقتور عليه.

قوله تعالى: { ورَفَعْنا بَعْضَهم فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ } فيه قولان.

أحدهما: بالغنى والفقر.

والثاني: بالحرية والرق { لِيَتَّخِذَ بعضُهم بعضاً سُخْرِيّاً } وقرأ ابن السميفع، وابن محيصن: " سِخْرِيّاً " بكسر السين. ثم فيه قولان:

أحدهما: يستخدم الأغنياء الفقراء بأموالهم، فَيَلْتَئِمُ قِوامَ العالَم، وهذا على القول الأول.

والثاني: ليملك بعضُهم بعضاً بالأموال فيتَّخذونهم عبيداً، وهذا على الثاني.

قوله تعالى: { ورَحْمَةُ ربِّكَ } فيها قولان:

أحدهما: النًّبوَّة خير من أموالهم التي يجمعونها، قاله ابن عباس.

والثاني: الجنة خير ممّا يجمعون في الدنيا، قاله السدي.

قوله تعالى: { ولولا أن يكون الناسُ أُمَّةً واحدةً } فيه قولان:

أحدهما: لولا أن يجتمعوا على الكفر، قاله ابن عباس.

والثاني: على إِيثار الدنيا على الدِّين، قاله ابن زيد.

قوله تعالى: { لَجَعَلْنا لِمَن يكفرُ بالرَّحمن لِبُيوتهم سُقُفاً من فِضَّة } لهوان الدنيا عندنا. قال الفراء: إن شئتَ جعلتَ اللاّم في " لِبُيوتهم " مكرَّرة كقوله:يسألونك عن الشَّهْر الحرام قِتالٍ فيه } [البقرة: 217]، وإِن شئتَ جعلتَها بمعنى " على " ، كأنه قال: جَعَلْنا لهم على بُيوتهم، تقول للرجل: جعلتُ لك لقومك الأُعطية، أي: جعلتُها من أجلك لهم. قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: { سَقْفاً } على التوحيد. وقرأ الباقون { سُقُفاً } بضم السين والقاف جميعاً.

قال الزجاج: والسَّقف واحد يدلُّ على الجمع؛ فالمعنى: جعلْنا لبيتِ كلِّ واحد منهم سقفاً من فِضَّة { ومعارجَ } وهي الدَّرَج؛ والمعنى: وجعلْنا معارج من فِضَّة، وكذلك " ولِبُيوتهم أبواباً " أي: من فِضَّة " وسُرُراً " أي: من فِضَّة.

قوله تعالى: { عليها يَظْهَرونَ } قال ابن قتيبة: أي: يَعْلُون، يقال: ظَهَرْتُ على البيت إذا علَوْت سطحه.

قوله تعالى: { وزُخْرُفاً } وهو الذهب؛ والمعنى: ويجعل لهم مع ذلك ذهباً وغنىً { وإِنْ كُلُّ ذلك لَما متاعُ الحياة الدُّنيا } المعنى: لَمَتاع الحياة الدنيا، و " ما " زائدة. وقرأ عاصم، وحمزة: " لَمّا " بالتشديد، فجعلاه بمعنى " إِلاّ "؛ والمعنى: إِنّ ذلك يُتمتَّع به قليلاً ثم يزول { والآخرة عند ربِّك للمتَّقين } خاصةً لهم.