الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } * { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } * { فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ }

قوله تعالى: { خَلَق الأرضَ في يومين } قال ابن عباس: في يوم الأحد والاثنين، وبه قال عبد الله بن سلام، والسدي، والأكثرون. وقال مقاتل: في يوم الثلاثاء والأربعاء. وقد أخرج مسلم في أفراده من حديث أبي هريرة قال أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فقال: " خَلَقَ اللهُ عز وجل التربة يومَ السبت، وخلق الجبال فيها يومَ الأحد، وخلق الشجر فيها يومَ الإثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النُّور يوم الأربعاء، وبثَّ فيها الدواب يومَ الخميس " ، وهذا الحديث يخالِف ما تقدَّم، وهو أصح.

قوله تعالى: { وتَجعلونَ له أنداداً } قد شرحناه في [البقرة:22] و(ذلك) الذي فعل ما ذُكر (ربُّ العالَمَين).

{ وجعل فيها رواسيَ } أي: جبالاً ثوابت من فوق الأرض، { وبارك فيها } بالأشجار والثمار والحبوب والأنهار، وقيل: البَرَكة فيها: أن ينميَ فيها الزرع، فتخرج الحبّة حبّات، والنواة نخلةً { وقدَّر فيها أقواتَها } قال أبو عبيدة: هي جمعُ قوت، وهي الأرزاق وما يُحتاج إليه.

وللمفسرين في هذا التقدير خمسة أقوال:

أحدها: أنه شقَّق الأنهار وغرس الأشجار، قاله ابن عباس.

والثاني: أنه قسم أرزاق العباد والبهائم، قاله الحسن.

والثالث: أقواتها من المطر، قاله مجاهد.

والرابع: قدَّر لكل بلدة ما لم يجعله في الأخرى كما أنَّ ثياب اليمن لا تصلح إلا بـ " اليمن " والهرويَّة بـ " هراة " ، ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة، قاله عكرمة، والضحاك.

والخامس: قدَّر البُرَّ لأهل قُطْرٍ، والتَّمْر لأهل قُطْرٍ، والذُّرَة لأهل قُطْرٍ، قاله ابن السائب.

قوله تعالى: { في أربعة أيّام } أي: في تتمة أربعة أيّام. قال الأخفش: ومثله [أن] تقول: تزوجت أمس امرأة، واليومَ ثنتين، وإحداهما التي تزوجتها أمس.

قال المفسرون: يعني: الثلاثاء والأربعاء، وهما مع الأحد والإثنين أربعة أيام.

قوله تعالى: { سواءً } قرأ أبو جعفر: { سواءٌ } بالرفع. وقرأ يعقوب، وعبد الوارث: " سواءٍ " بالجر. وقرأ الباقون من العشرة: بالنصب قال الزجاج: من قرأ بالخفض، جعل " سواءٍ " من صفة الأيّام فالمعنى: في أربعة أيّامٍ مستوِياتٍ تامَّاتٍ؛ ومن نصب، فعلى المصدر؛ فالمعنى: استوت سواءً واستواءً؛ ومن رفع، فعلى معنى: هي سواءٌ.

وفي قوله: { للسّائلِينَ } وجهان.

أحدهما: للسائلين القوت، لأن كلاًَ يطلُب القوت ويسألُه.

والثاني: لمن يسأل: في كم خُلقت الأرضُ؟ فيقال: خُلقتْ في أربعة أيّام سواء، لا زيادة ولا نقصان.

قوله تعالى: { ثم استوى إلى السماء } قد شرحناه في [البقرة:29] { وهي دخان } وفيه قولان:

أحدهما: أنه لمّا خلق [الماء] أرسل عليه الريح فثار منه دخان فارتفع وسما، فسمّاه سماءً.

والثاني: أنه لمّا خلق الأرض أرسل عليها ناراً، فارتفع منها دخان فسما.

قوله تعالى: { فقال لها وللأرض } قال ابن عباس: قال للسماء: أظْهِري شمسكِ وقمرك ونجومك، وقال للأرض: شقِّقي أنهاركِ، وأخْرِجي ثمارك، { طوعاً أو كَرْهاً قالتا أتينا طائعِين } قال الزجاج: هو منصوب على الحال، وإنما لم يقل: طائعات، لأنهنَّ جَرَيْنَ مجرى ما يَعْقِل ويميِّز كما قال في النجوم:

السابقالتالي
2