الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } * { إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } * { فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } * { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ } * { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { وَنَجَّيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ }

قوله تعالى: { فإن أعرضوا } عن الإيمان بعد هذا البيان { فقُل أنذرتُكم صاعقةً } الصاعقة: المُهلِكُ من كل شيء؛ والمعنى: أنذرتُكم عذاباً مثلَ عذابهم. وإنما خَصَّ القبيلتين، لأن قريشاً يمُرُّون على قرى القوم في أسفارهم.

{ إذ جاءتهم الرُّسُل من بين أيديهم } أي: أتت آباءهم ومَنْ كان قبلهم { ومِنْ خَلْفهم } أي: من خلف الآباء، وهم الذين أُرسلوا إلى هؤلاء الُمهلَكين { ألاّ تعبُدوا } أي: بأن لا تعبُدوا { إلا اللهَ قالوا لو شاءَ ربُّنا } أي: لو أراد دعوة الخلْق { لأنزل ملائكةً }.

قوله تعالى: { فاستكبَروا } أي: تكبَّروا عن الإِيمان وعَمِلوا بغير الحقِّ. وكان هود قد تهدَّدهم بالعذاب فقالوا: نحن نقدر على دفعه بفضل قوَّتنا. والآيات هاهنا: الحُجج.

وفي الرِّيح الصَّرصر أربعة أقوال:

أحدها: أنها الباردة، قاله ابن عباس، وقتادة، والضحاك. وقال الفراء: هي الرِّيح الباردة تحرق كالنار، وكذلك قال الزجاج: هي الشديدة البرد جداً؛ فالصَّرصر متكرِّر فيها البرد، كما تقول: أقللتُ الشيء وقلقلتُه، فأقللتُه بمعنى رفعتُه، وقلقلتُه: كرَّرتُ رفعه.

والثاني: أنها الشديدةُ السَّموم، قاله مجاهد.

والثالث: الشديدة الصَّوت، قاله السدي، وأبو عبيدة، وابن قتيبة.

والرابع: الباردة الشديدة، قاله مقاتل.

قوله تعالى: { في أيّامٍ نَحِساتٍ } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: { نَحْساتٍ } بإسكان الحاء؛ وقرأ الباقون: بكسرها. قال الزجاج: من كسر الحاء، فواحدُهن " نَحِس ". ومن أسكنها فواحدُهن " نَحْس "؛ والمعنى: مشؤومات.

وفي أوَّل هذه الأيّام ثلاثة أقوال:

أحدها: غداة يوم الأحد، قاله السدي.

والثاني: يوم الجمعة، قاله الربيع بن أنس.

والثالث: يوم الأربعاء، قاله يحيى بن سلام. والخِزْي: الهوان.

قوله تعالى: { وأمّا ثمودُ فهدَيناهم } فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: بيَّنَّا لهم، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير. وقال قتادة: بَيَّنَّا لهم سبيل الخير والشر.

والثاني: دَعَوْناهم، قاله مجاهد.

والثالث: دَللْناهم على مذهب الخير، قاله الفراء.

قوله تعالى: { فاستَحبُّوا العمى } أي: اختاروا الكفر على الإِيمان، { فأخذتهم صاعقةُ العذاب الهُون } أي: ذي الهوان، وهو الذي يُهينهم.