الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ } * { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِٱلْكِـتَابِ وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } * { إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وٱلسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ } * { فِي ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } * { ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ } * { مِن دُونِ ٱللَّهِ قَـالُواْ ضَـلُّواْ عَنَّا بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلْكَافِرِينَ } * { ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ } * { ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ } * { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ فَإِذَا جَـآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ قُضِيَ بِٱلْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْمُبْطِلُونَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } * { وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ } * { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } * { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَافِرُونَ }

{ ألم تَرَ إلى الذين يجادِلون في آيات الله } يعني القرآن، يقولون: ليس من عند الله، { أنَّى يُصْرَفونَ } أي: كيف صُرِفوا عن الحق إلى الباطل؟! وفيهم قولان.

أحدهما: أنهم المشركون، قاله ابن عباس.

والثاني: أنهم القَدَريَّة، ذكره جماعة من المفسرين. وكان ابن سيرين يقول: إن لم تكن نزلت في القَدَريَّة فلا أدري فيمن نزلت.

وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، وأبو رزين، وأبو مجلز، والضحاك، وابن يعمر، وابن أبي عبلة: { والسلاسلَ يَسحبونَ } بفتح اللام والياء. وقال ابن عباس: إذا سحبوها كان أشدَّ عليهم.

قوله تعالى: { يُسْجَرُونَ } قال مجاهد: توقدَ بهم النار فصاروا وَقودَها.

قوله تعالى: { أين ما كنتم تشرِكونَ } مفسَّر في [الأعراف:190].

وفي قوله: { لَمْ نكن نَدْعو من قَبْلُ شيئاً } قولان.

أحدهما: أنهم أرادوا أن الأصنام لم تكن شيئاً، لأنها لم تكن تضُر ولا تنفع، وهو قول الأكثرين.

والثاني: أنهم قالوه على وجه الجحود، قاله أبو سليمان الدمشقي. { كذلك } أي: كما أضلَّ اللهُ هؤلاء يُضِّلُّ الكافرين.

{ ذلكم } العذاب الذي نزل بكم { بما كنتم تَفرحونَ في الأرض بغير الحق } أي: بالباطل { وبما كنتم تَمرحونَ } وقد شرحنا المَرَح في [بني إسرائيل:37] وما بعد هذا قد تقدَّم بتمامه [النحل:29] [يونس:109] [النساء:164] إلى قوله: { وما كان لرسولٍ أن يأتيَ بآية إلاّ باذن الله } وذلك لأنهم كانوا يقترِحون عليه الآيات { فإذا جاء أمرُ الله } وهو قضاؤه بين الأنبياء وأُممهم و { المبطلون }: أصحاب الباطل.

قوله تعالى: { ولِتبلُغوا عليها حاجةً في صُدوركم } أي: حوائجكم في البلاد.

قوله تعالى: { فأيَّ آيات الله تُنْكِرونَ } استفهام توبيخ.

قوله تعالى: { فما أغنى عنهم } في " ما " قولان.

أحدهما: أنها للنفي.

والثاني: [أنها] للاستفهام ذكرهما ابن جرير.

قوله تعالى: { فرٍحوا بما عندهم من العِلْم } في المشار إليهم قولان:

أحدهما: [أنهم] الأُمم المكذِّبة، قاله الجمهور؛ ثم في معنى الكلام قولان.

أحدهما: أنهم قالوا: نحن أعلم منهم لن نُْعَثُ ولن نُحَاسَبَ، قاله مجاهد.

والثاني: فرحوا بما كان عندهم أنه عِلْم، قاله السدي.

والقول الثاني: أنهم الرُّسل؛ والمعنى: فرح الرُّسل لمّا هلك المكذِّبون ونَجَوْا بما عندهم من العِلْم بالله إذ جاء تصديقُه، حكاه أبو سليمان وغيره.

قوله تعالى: { وحاق بهم } يعني بالمكذِّبين العذاب الذي كانوا به يستهزؤون والبأس: العذاب. ومعنى { سُنَّةَ الله }: أنه سَنَّ هذه السُّنَّة في الأُمم، أي: أن إيمانهم لا ينفعُهم إذا رأوا العذاب، { وخسر هنالك الكافرون }.

فإن قيل: كأنهم لم يكونوا خاسرين قبل ذلك؟

فعنه جوابان.

أحدهما: أن " خسر " بمعنى " هلك " قاله ابن عباس.

والثاني: أنه إنما بيَّن لهم خُسرانهم عند نزول العذاب، قاله الزجاج.