الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ } * { فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ } * { رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ ذُو ٱلْعَرْشِ يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } * { يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } * { ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }

{ هُوَ الذي يُريكم آياتِه } أي: مصنوعاته التي تَدُلُّ على وَحدانيَّته وقُدرته. والرِّزق هاهنا المطر، سمِّي رزقاً، لأنه سبب الأرزاق. و " يتذكَّر " بمعنى يَتَّعظ، و " يُنيب " بمعنى يَرْجِع إِلى الطاعة.

ثم أمر المؤمنين بتوحيده فقال: { فادْعُوا اللهَ مُْلِصينَ له الدِّينَ } أي: موحِّدين.

قوله تعالى: { رفيعُ الدَّرَجاتِ } قال ابن عباس: يعني رافع السموات. وحكى الماوردي عن بعض المفسِّرين قال: معناه عظيم الصِّفات.

قوله تعالى: { ذو العَرْشَ } أي: خالِقُه ومالِكُه.

قوله تعالى: { يُلْقي الرُّوحَ } فيه خمسة أقوال.

أحدها: أنه القرآن.

والثاني: النُّبوّة. والقولان: مرويّان عن ابن عباس وبالأول قال ابن زيد، وبالثاني قال السدي.

والثالث: الوحي، قاله قتادة. وإِنما ُسمِّي القرآن والوحي روحاً، لأن قِوام الدِّين به، كما أن قِوام البدن بالرُّوح.

والرابع: جبريل، قاله الضحاك.

والخامس: الرَّحمة، حكاه إبراهيم الحربي.

قوله تعالى: { مِنْ أمْرِِهِ } فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: مِنْ قضائه، قاله ابن عباس.

والثاني: بأمره، قاله مقاتل.

والثالث: من قوله، ذكره الثعلبي.

قوله تعالى: { على مَن يشاءُ مِنْ عِبادِه } يعني الأنبياء.

{ لِيُنْذِرَ } في المشار إِليه قولان.

أحدهما: أنه الله عز وجل.

والثاني: النَّبيُّ الذي يوحى إليه

والمراد بـ { يومَ التَّلاق }: يوم القيامة. وأثبت ياء { التلاقي } في الحالين ابن كثير ويعقوب، وأبو جعفر. وافقهما في الوصل؛ والباقون بغير ياءٍ في الحالَيْن، وفي سبب تسميته بذلك خمسة أقوال:

أحدها: أنه يلتقي فيه أهل السماء والأرض، رواه يوسف بن مهران عن ابن عباس.

والثاني: يلتقي فيه الأوَّلون والآخِرون روي عن ابن عباس أيضاً.

والثالث: [يلتقي] فيه الخلق والخالق، قاله قتادة ومقاتل.

والرابع: يلتقي المظلوم والظالم، قاله ميمون بن مهران.

والخامس: يلتقي المرءُ بعمله، حكاه الثعلبي.

قوله تعالى: { يَوْمَ هُم بارِزونَ } أي ظاهِرون من قُبورهم { لا يَخْفَى على الله منهم شيء }.

فإن قيل: فهل يَخْفَى عليه منهم اليوم شيء؟

فالجواب: أنْ لا، غير أن معنى الكلام التهديد بالجزاء؛ وللمفسِّرين فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: لا يَخْفَى عليه ممّا عَمِلوا شيءٌ، قاله ابن عباس.

والثاني: لا يَستترونَ منه بجبل ولا مَدَر، قاله قتادة.

والثالث: أن المعنى: أَبْرَزهم جميعاً، لأنه لا يَخْفَى عليه منهم شيء، حكاه الماوردي.

قوله تعالى: { لَمِن المُلْكُ الْيَوْمَ } اتفقوا على أن هذا يقوله الله عز وجل بعد فَناء الخلائق. واختلفوا في وقت قوله له على قولين:

أحدهما: [أنه] يقوله عند فَناء الخلائق إِذا لم يبق مجيب، فيَرُدّ هو على نفسه فيقول: { للهِ الواحدِ القَهّارِ } ، قاله الأكثرون.

والثاني: أنه يقوله يوم القيامة.

وفيمن يُجيبه حينئذ قولان.

أحدهما: أنه يُجيب نَفْسَه، وقد سَكَتَ الخلائقُ لقوله، قاله عطاء.

والثاني: أن الخلائق كلَّهم يُجيبونه فيقولون { للهِ الواحدِ القهارِ } قاله ابن جريج.