الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىۤ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }

قوله تعالى: { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إِلا خطأ } في سبب نزولها قولان.

أحدهما: أن عياش بن أبي ربيعة أسلم بمكة قبل هجرة رسول الله، ثم خاف أن يظهر إِسلامه لقومه، فخرج إِلى المدينة فقالت أُمُّه لابنيها أبي جهل، والحارث ابني هشام، وهما أخواه لأمّه: والله لا يُظلّني سقف، ولا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى تأتياني به. فخرجا في طلبه، ومعهما الحارث بن زيد، حتى أتوا عيّاشاً وهو مُتحَصّنٌ في أُطُم، فقالوا له: انزل فإن أُمّك لم يُؤوها سقفٌ، ولم تذق طعاماً، ولا شراباً، ولك علينا أن لا نحول بينكَ وبين دينك، فنزل، فأوثقوه، وجلده كلُّ واحد منهم مائة جلدة، فقدموا به على أُمّه، فقالت: والله لا أحلّك من وثاقك حتى تكفر، فطُرِحَ موثقاً في الشمس حتى أعطاهم ما أرادوا، فقال له الحارث بن زيد: يا عياش لئن كان ما كنت عليه هدى لقد تركته، وإِن كان ضلالاً لقد ركبته. فغضب، وقال: والله لا ألقاك خالياً إلا قتلتك، ثم أفلت عياش بعد ذلك، وهاجر إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ثم أسلم الحارث بعده، وهاجر ولم يعلم عياش، فلقيه يوماً فقتله، فقيل له: إِنه قد أسلم، فجاء إِلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان، وقال: لم أشعر باسلامه، فنزلت هذه الآية، رواه أبو صالح، عن ابن عباس. وهو قول سعيد بن جبير، والسدّي، والجمهور.

والثاني: أن أبا الدرداء قتل رجلاً قال لا إِله إِلا الله في بعض السّرايا، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر له ما صنع، فنزلت هذه الآية، هذا قول ابن زيد.

قال الزجاج: معنى الآية: وما كان لمؤمنٍ أن يقتل مؤمناً البتّة. والاستثناء ليس من الأول، وإِنماالمعنى: إِلا أن يُخطيء المؤمن. وروى أبو عبيدة، عن يونس: أنه سأل رؤبة عن هذه الآية، فقال: ليس له أن يقتله عمداً ولا خطأ، ولكنّه أقام «إِلا» مقام «الواو» قال الشاعر:
وكلُّ أخٍ مُفَارقُه أخوهُ   لَعَمْرُ أبيكَ إِلاَّ الفَرقَدَانِ
أرَادَ: والفَرْقَدَانِ. وقال بعضُ أهل المعاني: تقديرُ الآية: لكن قد يقتله خطأ، وليس ذلك فيما جعل الله له، لأن الخطأ لا تصح فيه الإِباحة، ولا النهي. وقيل: إِنما وقع الاستثناء على ما تضمنته الآية من استحقاق الإثم، وإِيجاب القتل.

قوله تعالى: { فتحريرُ رَقَبَةٍ مُؤمِنةٍ } قال سعيدُ بنُ جبير: عتق الرقبة واجبٌ على القاتِل في ماله، واختلفوا في عتق الغلام الذي لا يصح منه فعل الصلاة والصيام، فروي عن أحمد جوازه، وكذلك روى ابن أبي طلحة، عن ابن عباس، وهذا قول عطاء، ومجاهد. وروي عن أحمد: لا يجزئ إِلا من صام وصلى، وهو قول ابن عباس.

السابقالتالي
2