قوله تعالى: { من يشفع شفاعة حسنة } في المراد بالشفاعة أربعة أقوال. أحدها: أنها شفاعة الإِنسان للانسان، ليجتلب له نفعاً، أو يُخلصه من بلاء، وهذا قول الحسن، ومجاهد، وقتادة، وابن زيد. والثاني: أنها الإِصلاح بين اثنين، قاله ابن السائب. والثالث: أنه الدعاء للمؤمنين والمؤمنات، ذكره الماوردي. والرابع: أن المعنى: مَن يَصرْ شفعاً لوِترِ أصحابك يا محمد، فيشفعهم في جهاد عدوهم وقتالهم في سبيل الله، قاله ابن جرير، وأبو سليمان الدمشقي. وفي الشفاعة السيئة ثلاثة أقوال. أحدها: أنها السعي بالنميمة، قاله ابن السائب، ومقاتل. والثاني: أنها الدّعاء على المؤمنين والمؤمنات، وكانت اليهود تفعله، ذكره الماوردي. والثالث: أن المعنى: من يشفع وتر أهل الكفر، فيقاتل المؤمنين، قاله ابن جرير، وأبو سليمان الدمشقي. قال الزجاج: و«الكفل» في اللغة: النصيب، وأخذ من قولهم: اكتفلت البعير: إِذ أدرت على سنامه، أو على موضع من ظهره كِساء، وركبتَ عليه. وإِنما قيل له: كِفل، لأنه لم يستعمل الظهر كله، وإِنما استعمل نصيباً منه. وفي «المقيت» سبعة أقوال. أحدها: أنه المقتدر، قال أحيحة بن الجلاّح:
وذي ضِغْنٍ كَفَفْتُ النَّفس عنه
وكنتُ على مساءته مُقيتاً
وإِلى هذا المعنى ذهب ابن عباس، وابن جرير، والسدي، وابن زيد، والفراء، وأبو عبيد، وابن قتيبة، والخطّابي. والثاني: أنه الحفيظ، رواه ابن أبي طلحة، عن ابن عباس، وبه قال قتادة، والزجاج. وقال: هو بالحفيظ أشبه، لأنه مشتقّ من القوت، يقال: قُتُّ الرجل أقوته قوتاً: إِذا حفظت عليه نفسه بما يقوته. والقوت: اسم الشيء الذي يحفظ نفسه [ولا فضل فيه على قدر الحفظ]، فمعنى المقيت: الحافظ الذي يعطي الشيء على قدر الحاجة من الحفظ. قال الشاعر:
أليَ الفَضْلُ أمْ عليّ إِذا حُو
سبْتُ إِنّي على الحساب مُقيتُ
والثالث: أنه الشهيد، رواه ابن أبي نجيح، عن مجاهد، واختاره أبو سليمان الدمشقي. والرابع: أنه الحسيب، رواه خصيف عن مجاهد. والخامس: الرقيب، رواه أبو شيبة عن عطاء. والسادس: الدائم، رواه ابن جريج عن عبد الله بن كثير. والسابع: أنه معطي القوت، قاله مقاتل بن سليمان. وقال الخطّابي: المقيت يكون بمعنى معطي القوت، قال الفراء: يقال: قاته وأقاته.