قوله تعالى: { ما أصابك من حسنة فمن الله } في المخاطب بهذا الكلام ثلاثة أقوال. أحدها: أنه عامٌ، فتقديره: ما أصابك أيها الإِنسان، قاله قتادة. والثاني: أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد به غيره، ذكره الماوردي. وقال ابن الأنباري: ما أصابك الله من حسنة، وما أصابك الله به من سيئة، فالفعلان يرجعان إلى الله عز وجل. وفي «الحسنة» و«السيئة» ثلاثة أقوال. أحدها: أن الحسنة ما فُتح عليه يوم بدر، والسيئة: ما أصابه يوم أُحد، رواه ابن أبي طلحة، عن ابن عباس. والثاني: الحسنة: الطاعة، والسيئة: المعصية، قاله أبو العالية. والثالث: الحسنة: النعمة، والسيئة: البليّة، قاله ابن قتيبة، وعن أبي العالية نحوه، وهو أصح، لأن الآية عامة. وروى كرداب، عن يعقوب: { ما أصابك من حسنة فمن الله } بتشديد النون، ورفعها، ونصب الميم، وخفض اسم «الله» { وما أصابك من سيئة فمن نَفسُك } بنصب الميم، ورفع السين. وقرأ ابن عباس: وما أصابك من سيئة، فمن نفسك، وأنا كتبتها عليك. وقرأ ابن مسعود: وأنا عددتها عليك. قوله تعالى: { فمن نفسك } أي: فبذنبك، قاله الحسن، وقتادة، والجماعة. وذكر فيه ابن الأنباري وجهاً آخر، فقال: المعنى: أفمن نفسك فأضمرت ألف الاستفهام، كما أضمرت في قوله { وتلك نعمة } أي: أوَ تلك نعمة. قوله تعالى: { وأرسلناك للناس رسولاً } قال الزجاج: ذكر الرسول مؤكّد لقوله: { وأرسلناك } والباء في «بالله» مؤكّدة. والمعنى: وكفى بالله شهيداً. «وشهيداً» منصوب على التمييز، لأنك إذا قلت: كفى بالله، ولم تبيّن في أي شيء الكفاية كنت مبهماً. وفي المراد بشهادة الله هاهنا ثلاثة أقوال. أحدها: شهيداً لك بأنك رسوله، قاله مقاتل. والثاني: على مقالتهم، قاله ابن السائب. والثالث: لك بالبلاغ، وعليهم بالتكذيب والنفاق، قاله أبو سليمان الدمشقي. فان قيل: كيف عاب الله هؤلاء حين قالوا: إِن الحسنة من عند الله، والسيئة من عند النبي عليه السلام، وردّ عليهم بقوله: { قل كل من عند الله } ثم عاد، فقال: { ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } فهل قال القوم إِلا هكذا؟ فعنه جوابان. أحدهما: أنهم أضافوا السيئة إِلى النبي صلى الله عليه وسلم تشاؤماً به، فردّ عليهم، فقال: كلٌ بتقدير الله. ثم قال: ما أصابك من حسنة، فمن الله، أي: من فضله، وما أصابك من سيئة، فبذنبك، وإِن كان الكل من الله تقديراً. والثاني: أن جماعة من أرباب المعاني قالوا: في الكلام محذوف مقدّر، تقديره: فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً، يقولون: ما أصابك من حسنة، فمن الله، وما أصابك من سيئة، فمن نفسك. فيكون هذا من قولهم. والمحذوف المقدّر في القرآن كثير، ومنه قوله: