الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }

قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول } في سبب نزولها قولان. أحدهما: أنها نزلت في عبد الله بن حُذافة بن قيس السّهمي إِذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سريّة، أخرجه البخاري، ومسلم، من حديث ابن عباس.

والثاني: أن عمّار بن ياسر كان مع خالد بن الوليد في سريّة، فهرب القوم، ودخل رجلٌ منهم على عمار، فقال: إِني قد أسلمتُ، هل ينفعني، أو أذهب كما ذهب قومي؟ قال عمار: أقم فأنت آمن، فرجع الرجل، وأقام فجاء خالد، فأخذ الرجل، فقال عمّار: إِني قد أمنته، وإِنه قد أسلم، قال: أتجير علي وأنا الأمير؟ فتنازعا، وقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية، رواه أبو صالح عن ابن عباس.

قوله تعالى: { وأطيعوا الرسول } طاعة الرسول في حياته: امتثال أمره، واجتناب نهيه، وبعد مماته، اتباع سُنّته.

وفي أولي الأمر أربعة أقوال.

أحدها: أنهم الأمراء، قاله أبو هريرة، وابن عباس في رواية، وزيد بن أسلم، والسدي، ومقاتل.

والثاني: أنهم العلماء، رواه ابن أبي طلحة، عن ابن عباس، وهو قول جابر بن عبد الله، والحسن، وأبي العالية، وعطاء، والنخعي، والضحاك، ورواه خصيف، عن مجاهد.

والثالث: أنهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، رواه ابن أبي نجيح، عن مجاهد، وبه قال بكر بن عبد الله المزني.

والرابع: أنهم أبو بكر، وعمر، وهذا قول عكرمة.

قوله تعالى: { فإن تنازعتم في شيء } قال الزجاج: معناه: اختلفتم. وقال كل فريق: القول قولي. واشتقاق المنازعة: أن كل واحد ينتزع الحجة.

قوله تعالى: { فردوه إلى الله والرسول } في كيفيّة هذا الرد قولان.

أحدهما: أن ردّه إلى الله ردّه إلى كتابه، ورده إِلى النبي رده إلى سنّته، هذا قول مجاهد، وقتادة، والجمهور. قال القاضي أبو يعلى: وهذا الرّد يكون من وجهين. أحدهما: إلى المنصوص عليه باسمه ومعناه. والثاني: الرّد إِليهما من جهة الدلالة عليه، واعتباره من طريق القياس، والنظائر.

والقول الثاني: أن ردّه إلى الله ورسوله أن يقول: من لا يعلم الشيء: الله ورسوله أعلم، ذكره قومٌ، منهم الزجاج.

وفي المراد بالتأويل أربعة أقوال.

أحدها: أنه الجزاء، والثواب، وهو قول مجاهد، وقتادة.

والثاني: أنه العاقبة، وهو قول السدي، وابن زيد، وابن قتيبة، والزجاج. والثالث: أنه التصديق، مثل قولههذا تأويل رؤياي } [يوسف: 100] قاله ابن زيد في رواية. والرابع: أن معناه: ردّكم إِياه إلى الله ورسوله أحسن من تأويلكم، ذكره الزجاج.