الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }

قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلوة وأنتم سكارى } روى أبو عبد الرحمن السلمي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاماً، فدعانا، وسقانا من الخمر، فأخذت [الخمر] منّا، وحضرت الصلاة فقدّموني، فقرأت { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون، ونحن نعبد ما تعبدون } فنزلت هذه الآية. وفي رواية أخرى، عن أبي عبد الرحمن، عن علي رضي الله عنه أن الذي قدموه، وخلط في هذه السورة، عبد الرحمن بن عوف.

وفي معنى قوله: { لا تقربوا الصلاة } قولان.

أحدهما: لا تتعرّضوا بالسكر في أوقات الصلاة. والثاني: لا تدخلوا في الصلاة في حال السكر، والأول أصح، لأن السكران لا يعقل ما يخاطب به. وفي معنى: { وأنتم سكارى } قولان.

أحدهما: من الخمر، قاله الجمهور. والثاني: من النوم، قاله الضحاك، وفيه بعد. وهذه الآية اقتضت إِباحة السكر في غير أوقات الصلاة، ثم نسخت بتحريم الخمر.

قوله تعالى: { ولا جُنباً } قال ابن قتيبة: الجنابة: البعد، قال الزجاج: يقال: رجل جنب، ورجلان جُنب، ورجال جُنب، كما يقال: رجل رضى، وقوم رضى. وفي تسمية الجنب بهذا الاسم قولان.

أحدهما: لمجانبة مَائهِ محله. والثاني: لما يلزمه من اجتناب الصلاة وقراءة القرآن، ومس المصحف، ودخول المسجد.

قوله تعالى: { إِلا عابري سبيل } فيه قولان.

أحدهما: أن المعنى: لا تقربوا الصلاة وأنتم جنب إِلا أن تكونوا مسافرين غير واجدين للماء فتتيمموا، وتُصلُّوا. وهذا المعنى مروي عن علي رضي الله عنه. ومجاهد، والحكم، وقتادة، وابن زيد، ومقاتل، والفراء، والزجاج.

والثاني: لا تقربوا مواضع الصلاة وهي المساجد وأنتم جنب إِلا مجتازين، ولا تقعدوا. وهذا المعنى مروي عن ابن مسعود، وأنس بن مالك، والحسن، وسعيد بن المسيّب، وعكرمة، وعطاء الخراساني، والزهري، وعمرو بن دينار، وأبي الضحى، وأحمد، والشافعي، وابن قتيبة. وعن ابن عباس، وسعيد ابن جبير، كالقولين، فعلى القول الأول: «عابر السبيل» المسافر، و«قربان الصلاة»: فعلها، وعلى الثاني: «عابر السبيل»: المجتاز في المسجد، و«قربان الصلاة»: دخول المسجد الذي تفعل فيه الصلاة.

قوله تعالى: { وإِن كنتم مرضى } في سبب نزول هذا الكلام قولان.

أحدهما: أن رجلاً من الأنصار كان مريضاً فلم يستطع أن يقوم فيتوضأ، ولم يكن له خادم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر له ذلك، فنزلت هذه الآية { وإن كنتم مرضى أو على سفر } قاله مجاهد.

والثاني: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابتهم جراحات، ففشت فيهم، وابتلوا بالجنابة، فشكوا ذلك إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت { وإِن كنتم مرضى } الآية كلها، قاله إبراهيم النخعي. قال القاضي أبو يعلى: وظاهر الآية يقتضي جواز التيمم مع حصول المرض الذي يستضرّ معه باستعمال المال، سواء كان يخاف التلف، أو لا يخاف، وكذلك السفر يجوز فيه التيمم عند عدم الماء، سواء كان قصيراً، أو طويلاً، وعدم الماء ليس بشرط في جواز التيمم للمريض، وإنما الشرط: حصول الضرر، وأما السفر، فعدم الماء شرط في إِباحة التيمم، وليس السفر بشرط، وإنما ذكر السفر، لأن الماء يُعدم فيه غالباً.

السابقالتالي
2 3