الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنِّسَآءَ كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً }

قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً } سبب نزولها: أن الرجل كان إِذا مات، كان أولياؤه أحق بامرأته، إِن شاؤوا زوجوها، وإِن شاؤوا لم يزوّجوها، فنزلت هذه الآية. قاله ابن عباس. وقال في رواية أخرى: كانوا في أول الإِسلام إِذا مات الرجل، قام أقرب الناس منه، فيُلقي على امرأته ثوباً، فيرث نكاحها. وقال مجاهد: كان إِذا توفي الرجل، فابنه الأكبر أحق بامرأته، فينكحها إِن شاء، أو يُنكحها من شاء. وقال أبو أمامة بن سهل ابن حنيف: لما توفي أبو قيس بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوج امرأته من بعده، وكان ذلك لهم في الجاهلية، فنزلت هذه الآية. قال عكرمة: واسم هذه المرأة: كبيشة بنت معن بن عاصم، وكان هذا في العرب. وقال أبو مجلز: كانت الأنصار تفعله. وقال ابن زيد: كان هذا في أهل المدينة. وقال السّدي: إنما كان ذلك للأولياء ما لم تسبق المرأة، فتذهب إِلى أهلها، فإن ذهبت، فهي أحق بنفسها. وفي معنى قوله: { أن ترثوا النساء كرهاً }. قولان.

أحدهما: أن ترثوا نكاح النساء، وهذا قول الجمهور.

والثاني: أَن ترثوا أموالهن كرهاً. روى ابن أبي طلحة، عن ابن عباس، قال: كان يُلقي حميم الميت على الجارية ثوباً، فان كانت جميلة تزوجها، وإِن كانت دَميمة حبسها حتى تموت، فيرثها.

واختلف القراء في فتح كاف «الكره» وضمّها في أربعة مواضع: هاهنا، وفي { التوبة } وفي { الأحقاف } في موضعين، فقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو بفتح الكاف فيهن، وضمهن حمزة. وقرأ عاصم، وابن عامر بالفتح في { النساء } و { التوبة } وبالضم في { الأحقاف }. وهما لغتان، قد ذكرناهما في { البقرة }.

وفيمن خوطب بقوله { ولا تعضلوهن } ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه خطاب للأزواج، ثم في العضل الذي نهى عنه ثلاثة أقوال.

أحدها: أن الرجل كان يكره صحبة امرأته، ولها عليه مهر، فيحبسها، ويضربها لتفتدي، قاله ابن عباس، وقتادة، والضحاك، والسدي.

والثاني: أن الرجل كان ينكح المرأة الشريفة، فلعلها لا توافقه، فيفارقها على أن لا تتزّوج إِلاّ بإذنه، ويشهد على ذلك، فاذا خطبت، فأرضته، أذن لها، وإِلا عضلها، قاله ابن زيد.

والثالث: أنهم كانوا بعد الطلاق يعضلون، كما كانت الجاهلية تفعل، فنهوا عن ذلك، روي عن ابن زيد أيضا. وقد ذكرنا في { البقرة } أن الرجل كان يطلق المرأة، ثم يراجعها، ثم يطلقها كذلك أبداً إِلى غير غاية يقصد إِضرارها، حتى نزلتالطلاق مرتان } [البقرة: 229].

والقول الثاني: أنه خطاب للأولياء، ثم في ما نهوا عنه ثلاثة أقوال.

أحدها: أن الرجل كان في الجاهلية إذا كانت له قرابة قريبة، ألقى عليها ثوبه، فلم تتزّوج أبداً غيره إِلا بإذنه، قاله ابن عباس.

السابقالتالي
2