قوله تعالى: { يسألك أهلُ الكتاب } في سبب نزولها ثلاثة أقوال. أحدها: أنهم سألوه أن ينزِّل كتاباً عليهم خاصة، هذا قول الحسن، وقتادة. والثاني: أن اليهود والنصارى أتوا إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لا نُبايعك حتى تأتينا بكتابٍ من عند الله إِلى فلان أنك رسول الله، وإِلى فلان بكتاب أنك رسول الله، فنزلت هذه الآية، هذا قول ابن جريج. والثالث: أن اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتاباً من السماء مكتوباً كما نزلت التوراة على موسى، هذا قول القرظي، والسدي. وفي المراد بأهل الكتاب قولان. أحدهما: اليهود والنصارى. والثاني: اليهود. وفي المراد بأهل الكتاب المنزّل من السماء قولان. أحدهما: كتاب مكتوب غير القرآن. والثاني: كتاب بتصديقه في رسالته، وقد بيّنا في (البقرة) معنى سؤالهم رؤية الله جهرة، واتخاذهم العجل. و«البينات»: الآيات التي جاء بها موسى. فإن قيل: كيف قال: ثم اتخذوا العجل، و «ثم» تقتضي التراخي، والتأخر، أفكان اتخاذ العجل بعد قولهم: «أرنا الله جهرة»؟ فعنه أربعة أجوبة, ذكرهن ابن الأنباري. أحدهن: أن تكون «ثم» مردودة على فعلهم القديم، والمعنى: وإِذْ وَعَدْنا موسى أربعين ليلة، فخالفوا أيضاً، ثم اتخذوا العجل. والثاني: أن تكون مقدمة في المعنى، مؤخّرة في اللفظ، والتقدير: فقد اتخذوا العجل، ثم سألوا موسى أكبر من ذلك. ومثله{ فأَلْقِهْ إِليهم ثم تولَّ عنهم فانظر ماذا يرجعون } [النمل: 28] المعنى: فألقه إِليهم، ثم انظر ماذا يرجعون، ثم تول عنهم. والثالث: أن المعنى، ثم كانوا اتخذوا العجل، فأضمر الكون. والرابع: أن «ثم» معناها التأخير في الإِخبار، والتقديم في الفعل، كما يقول القائِل: شربت الماء، ثم أكلت الخبز، يريد: شربت الماء ثم أخبركم أني أكلت الخبز بعد إِخباري بشرب الماء. قوله تعالى: { فعفونا عن ذلك } أي: لم نستأصل عبدة العجل. و«السلطان المبين»: الحجّة البيّنة. قال ابن عباس: اليد والعصا. وقال غيره: الآيات التسع.