الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّاخِرِينَ } * { أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِي لَكُـنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَـرَّةً فَأَكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { بَلَىٰ قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَٱسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ }

قوله تعالى: { أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ } قال المبرِّد: المعنى: بادِروا قَبْلَ أن تقول نَفْسٌ، وحَذَراً من أن تقول نَفْسٌ. وقال الزجاج: خوف أن تصيروا إلى حال تقولون فيها هذا القول. ومعنى { يا حسرتا } يا ندامتا ويا حزنا. والتحسُّر: الاغتمام على ما فات. والألِف في { يا حسرتا } هي ياء المتكلم، والمعنى: يا حسرتي على الإِضافة. قال الفراء: والعرب تحوِّل الياء إلى الألِف في كل كلام معناه الاستغاثة ويخرج على لفظ الدُّعاء، وربما أدخلت العربُ الهاء بعد هذه الألف، فيَخْفِضونها مَرَّةً، ويرفعونها أخرى. وقرأ الحسن، وأبو العالية، وأبو عمران، وأبو الجوزاء: { يا حسرتي } بكسر التاء، على الإِضافة إِلى النَّفْس. وقرأ معاذ القارىء، وأبو جعفر: { يا حسرتايَ } بألف بعد التاء وياء مفتوحة. قال الزجاج: وزعم الفراء أنه يجوز " يا حسرتاهَ على كذا " بفتح الهاء، و " يا حسرتاهُِ " بالضم والكسر، والنحويّون أجمعون لا يُجيزون أن تُثْبَتَ هذه الهاءُ مع الوصل.

قوله تعالى: { في جَنْبِ الله } فيه خمسة أقوال:

أحدها: في طاعة الله تعالى، قاله الحسن.

والثاني: في حق الله، قاله سعيد بن جبير.

والثالث: في أمْر الله، قاله مجاهد، والزجاج.

والرابع: في ذِكْر الله، قاله عكرمة، والضحاك.

والخامس: في قٌرْب الله؛ روي عن الفراء أنه قال: الجَنْب: القُرْب، أي: في قُرْب الله وجِواره؛ يقال: فلان يعيش في جَنْبِ فلان، أي: في قُرْبه وجواره؛ فعلى هذا يكون المعنى: [على] ما فرَّطْتُ في طلب قُرْب الله تعالى، وهو الجنة.

قوله تعالى: { وإِنْ كنتُ لَمِن السّاخِرِينَ } أي: وما كنتُ إِلاّ من المستهزِئين بالقرآن وبالمؤمنين في الدُّنيا.

{ أوْ تقولَ لو أنَّ الله هداني } أي: أرشَدني إِلى دينه { لكنتُ من المُتَّقِينَ } الشِّرك؛ فيقال لهذا القائل: { بلى قد جاءتك آياتي } قال الزجاج: و " بلى " جواب النفي، وليس في الكلام لفظ النفي، غير أن معنى { لو أن الله هداني } ما هُديتُ، فقيل: " بلى قد جاءتك آياتي ". وروى ابن أبي سريج [عن الكسائي] { جاءتكِ } { فكذَّبْتِ } ، { واسْتَكْبَرْتِ } { وكُنْتِ } ، بكسر التاء فيهنّ، مخاطَبة للنفْس ومعنى " اسْتَكْبَرْتَ ": تكبَّرتَ عن الإِيمان بها.