الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى ٱللَّهِ وَكَذَّبَ بِٱلصِّدْقِ إِذْ جَآءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ } * { وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } * { لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { لِيُكَـفِّرَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ٱلَّذِي كَـانُواْ يَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ على اللهِ } بأن دعا له ولداً وشريكاً { وكذَّبَ بالصِّدْق إِذْ جاءَهُ } وهو التوحيد والقرآن { ألَيْسَ في جهنَّمَ مَثْوىً للكافِرِينَ } أي: مَقَامٌ للجاحِدِين؟! وهذا استفهام بمعنى التقرير، يعني: إِنه كذلك.

قوله تعالى: { والَّذي جاءَ بالصِّدْقِ } فيه أربعة أقوال:

أحدها: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله عليّ بن أبي طالب، وابن عباس، وقتادة، وابن زيد. ثم في الصِّدق الذي جاء به قولان:

أحدهما: أنه " لا إله إلا الله " ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال [سعيد] بن جبير. والثاني: [أنه] القرآن، قاله قتادة. [وفي الذي صدَّق به ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً، هو جاء بالصِّدق، وهو صدَّق به، قاله ابن عباس، والشعبي.

والثاني: أنه أبو بكر، قاله علي بن أبي طالب.

والثالث: أنهم المؤمنون، قاله قتادة]، والضحاك، وابن زيد.

والقول الثاني: [أن] الذي جاء بالصِّدق: أهل القرآن، وهو الصِّدق الذي يُجيبونَ به يوم القيامة، وقد أدّوا حَقّه، فَهُم الذين صدَّقوا به، قاله مجاهد.

والثالث: أن الذي جاء بالصِّدق الأنبياء، قاله الربيع، فعلى هذا، يكون الذي صدَّق به: المؤمِنون.

والرابع: أن الذي جاء بالصِّدق: جبريل، وصدَّق به: محمد، قاله السدي.

قوله تعالى: { أولئك هُمُ المُتَّقُونَ } أي: الذين اتَّقّوْا الشرك؛ وإِنما قيل: " هُم " ، لأن معنى " الذي " معنى الجمع، كذلك قال اللغويون، وأنشد أبو عبيدة، والزجاج:
فإنَّ الذي حانَتْ بِفَلْجٍ دِماؤُهُمْ   هُمُ القَوْمُ، كُلُّ القَوْمِ، يا أُمَّ خالِدِ
قوله تعالى: { لِيُكَفِّرَ اللهُ عنهم } المعنى: أعطاهم ماشاؤوا ليكفِّر عنهم { أَسوأَ الذي عَملوا } ، أي: لِيَسْتُر ذلك بالمغفرة { وَيجْزِيَهم أَجرهم } بمحاسن أعمالهم لا بمساوئها.