قوله تعالى: { قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ } قال مقاتل: وذلك أن كُفّار قريش قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما حَمَلك على الذي أتيتَنا به؟! ألا تنظُر إِلى مِلَّة آبائك فتأخذ بها؟! فنزلت هذه الآية. والمعنى { قل إِنِّي أُمِرْتُ أنْ أعبُد الله مُخْلِصاً له الدِّينَ } أي: أُمِرْتُ أن أعبُدَه على التوحيد والإِخلاص السالم من الشّرك، { وأُمِرْتُ لأَنْ أكونَ أوَّلَ المُسْلِمِينَ } من هذه الأُمَّة. { قُلْ إِنِّي أخافُ إِنْ عَصَيْتُ ربِّي } بالرجوع إلى دين آبائي، { عذابَ يَوْمٍ عظيمٍ } وقد اختلفوا في نسخ هذه الآية كما بيَّنّا في نظيرتها في [الأنعام:15]. { قُلِ اللهَ أعبُدُ مُخْلِصاً له دِيني } بالتوحيد، { فاعبُدوا ماشِئتُم } ، وهذا تهديد، وبعضهم يقول: هو منسوخ بآية السيف، وهذا باطل، لأنه لو كان أمراً، كان منسوخاً، فأمّا أن يكون بمعنى الوعيد، فلا وجه لِنَسْخه. { قُلْ إِنَّ الخاسرينَ الذين خَسِروا أنفسُهم } بأن صاروا إِلى النار. (و) خسروا (أهليهم) فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم خَسِروا الحُور العين اللَّواتي أُعْدِدْنَ لهم في الجنة لو أطاعوا، قاله الحسن وقتادة. والثاني: خَسِروا الأهل في النَّار، إِذ لا أهَل لهم فيها، قاله مجاهد، وابن زيد. والثالث: خَسِروا أهليهم الذين كانوا في الدنيا، إِذ صاروا إلى النار بكُفرهم، وصار أهلوههم إِلى الجَنَّة بإيمانهم، قاله الماوردي. قوله تعالى: { لهم مِنْ فَوقهم ظُلَلٌ مِنَ النّار } وهي الأطباق من النار. وإِنما قال: { ومِنْ تحتهم ظُلَلٌ } لأنَّها ظُلَلٌ لِمَنْ تحتَهم (ذلك) الذي وصف اللهُ من العذاب { يُخَوِّفُ اللهُ به عباده } المؤمنين. قوله تعالى: { والذين اجتَنَبوا الطّاغوتَ } روى ابن زيد عن أبيه أن هذه الآية والتي بعدها نزلت في ثلاثة نَفَرٍ كانوا في الجاهلية يوحِّدون الله تعالى: زيدِ ابن عمرو بن نُفَيل، وأبي ذَرّ، وسلمان الفارسي، رضى الله عنهم؛ قال { أولئك الذين هداهم اللهُ } بغير كتاب ولا نبيّ. وفي المراد بالطّاغوت هاهنا ثلاثة أقوال. أحدها: الشياطين، قاله مجاهد. والثاني: الكهنة، قاله ابن السائب. والثالث: الأوثان، قاله مقاتل، فعلى قول مقاتل هذا إنما قال: " يعبُدوها " لأنها مؤنَّثة. وقال الأخفش: إنما قال: " يعبُدوها " لأن الطّاغوت في معنى جماعة، وإن شئتَ جعلتَه واحداً مؤنَّثاً. قوله تعالى: { وأنابوا إِلى الله } أي: رجَعوا إِليه بالطّاعة { لهم البُشْرى } بالجنة { فبَشِّر عبادي } بباءٍ، وحرَّك الياء أبوعمرو. ثم نعتهم فقال { الذين يستمِعونَ القول } وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: [أنه] القرآن، قاله الجمهور. فعلى، هذا في معنى { فيَتَّبعونَ أحسنه } أقوال. قد شرحناها في [الأعراف:145] عند قوله { وأمُرْ قَوْمَكَ يأخُذوا بأحسنها }. والثاني: أنه جميع الكلام. ثم في المعنى قولان: أحدهما: [أنه الرَّجُل] يَجْلِس مع القوم فيَسْمَع كلامهم، فيَعمل بالمحاسن ويحدِّث بها، ويَكُفُّ عن المساوىء ولايُظْهِرها، قاله ابن السائب. والثاني: [أنه] لمّا ادَّعى مسيلمة أنه قد أتى بقرآن، وأتت الكهنة بالكلام المزخرَف في الأباطيل، فرَّق المؤمنون بين ذلك وبين كلام الله، فاتَّبَعوا كلامَ الله، ورفضوا أباطيل أولئك. قاله أبو سليمان الدمشقي.