الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ } * { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } * { وَٱنطَلَقَ ٱلْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ ٱمْشُواْ وَاْصْبِرُواْ عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ } * { مَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِى ٱلْمِلَّةِ ٱلآخِرَةِ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ ٱخْتِلاَقٌ } * { أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ } * { أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ٱلْعَزِيزِ ٱلْوَهَّابِ } * { أَمْ لَهُم مُّلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُواْ فِى ٱلأَسْبَابِ } * { جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن ٱلأَحَزَابِ }

قوله تعالى: { وعَجِبوا } يعني الكفار { أَنْ جاءَهم مُنْذِرٌ مِنْهُمْ } يعني رسولاً من أَنْفُسهم يُنْذِرُهم النَّارَ.

{ أجعل الآلهة إِِلهاً واحداً } لأنه دعاهم إلى الله وحده وأبطل عبادة آلهتهم؛ وهذا قولهم لمّا اجتمعوا عند أبي طالب، وجاء رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أتُعطوني كلمة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم، وهي " لا إِله إِلا الله " ، فقاموا يقولون: { أَجَعَلَ الآلهةَ إِلهاً واحداً } ونزلت هذه الآية فيهم. { إِنّ هذا } [الذي] يقول محمد من أن الآلهة إِله واحد { لَشَيءٌ عُجابٌ } أي: لأمرٌ عَجَبٌ. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو العالية، وابن يعمر، وابن السميفع: { عُجّابٌ } بتشديد الجيم. قال اللغويون: العُجَاب والعجّاب والعجيب بمعنى واحد، كما تقول: كَبِيرٌ وكُبَارٌ وكُبَّارٌ، وكَرِيمٌ وكُرامٌ وكُرَّامٌ، وطَوِيلٌ وطُوَالٌ وطُوَّالٌ؛ وأنشد الفراء:
جاؤوا عَجَبٍ مِنَ العَجَبْ   أُزَيْرِقِ العينينِ طُوَّالِ الذَّنَبْ
قال قتادة: عجب المشركون أن دُعي اللهُ وَحْدَه وقالوا: أَيَسْمَعُ لِحاجاتنا جميعاً إِلهٌ واحد؟.

وقوله تعالى: { وانْطَلَقَ المَلأُ منهم } قال المفسرون: لمّا اجتمع أشراف قريش عند أبي طالب وشَكَوا إِليه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على ما سبق بيانه، نفروا من قوله: " لا إِله إِلا الله " ، وخرجوا من عند أبي طالب، فذلك قوله { وانْطَلَقَ الملأُ منهم }. والانطلاق: الذّّهَابُ بسهولة، ومنه طَلاَقَةُ الوَجْه، والملأُ أشراف قريش، فخرجوا يقول بعضهم لبعض: { امْشُوا } و { أن } بمعنى " أي "؛ فالمعنى: أي: امْشُوا. قال الزجاج: ويجوز أن يكون المعنى: انْطَلِقوا بأن امْشُوا، أي: انْطَلَقوا بهذا القول. وقال بعضهم: المعنى: انْطَلَقوا يقولون: امْشُوا إِلى أبي طالب فاشْكُوا إليه ابنَ أخيه، { واصبروا على آلهتكم } أي: اثبُتوا على عبادتها { إنّ هذا } الذي نراه من زيادة أصحاب محمد { لَشَيءٌ يُراد } أي: لأمرٌ يُرادُ بِنَا.

{ ما سَمِعْنا بهذا } الذي جاء به محمدٌ من التوحيد { في المِلَّة الآخِرةِ } وفيها ثلاثة أقوال:

أحدها: النصرانية، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وإِبراهيم بن المهاجر عن مجاهد، وبه قال محمد بن كعب القرظي، ومقاتل.

والثاني: أنها مِلَّة قريش، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد، وبه قال قتادة.

والثالث: اليهودية والنصرانية، قاله الفراء، والزجاج؛ والمعنى أن اليهود أشركت بعُزَير، والنصارى قالت: ثالث ثلاثة، فلهذا أنْكَرَتِ التوحيدَ.

{ إنْ هذا } الذي جاء به محمدٌ صلى الله عليه وسلم، { إِلا اختلاقٌ } أي: كذب. { أَأُنزل عليه الذِّكر } يعنون القرآن. " عليه " يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم، { مِنْ بينِنا } أي: كيف خُصَّ بهذا دونَنَا، وليس بأعلانا نَسَباَ ولا أعظمَنا شَرَفاَ؟! قال الله تعالى: { بَلْ هُمْ في شَكٍّ مِنْ ذِكْري } أي: من القرآن؛ والمعن: أنهم ليسوا على يقين ممّا يقولون، إِنما هم شاكُّون { بَلْ لَمّا } قال مقاتل: " لمّا " بمعنى " لم " كقوله

السابقالتالي
2