الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ هَـٰذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ } * { جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } * { هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ } * { وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } * { هَـٰذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لاَ مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُواْ ٱلنَّارِ } * { قَالُواْ بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ } * { قَالُواْ رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي ٱلنَّارِ } * { وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ نَرَىٰ رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ ٱلأَشْرَارِ } * { أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ ٱلأَبْصَار } * { إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ } * { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } * { رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفَّارُ }

قوله تعالى: { هذا } المعنى: هذا الذي ذكرناه { وإِنَّ لِلطّاغِينَ } يعني الكافرين { لَشَرَّ مَآبٍ } ، ثم بيَّن ذلك بقوله: { جهنَّمَ } والمِهاد: الفِراش. { هذا فَلْيذوقوه } قال الفراء: في الآية تقديم وتأخير، تقديره: هذا حميمٌ وغَسَّاقٌ فَلْيَذُوقوه؛ وإن شئتَ جعلتَ الحميم مستأنَفاً، كأنَّكَ قُلْتَ: هذا فلْيَذُوقوه، ثم قلت: منه حَميمٌ ومنه غَسّاقٌ، كقول الشاعر:
حتَّى إِذا ما أَضاءَ الصُّبْحُ في غَلَسٍ   وغُودِرَ البَقْلُ مَلْوِيٌّ ومَحْصُودُ
فأمَا الحَميم، فهوالماء الحارّ. وأما الغَسّاق، ففيه لغتان، قرأ حمزة، والكسائي، وخلف، وحفص: بالتشديد، وكذلك في [عَمَّ يتساءلون:25]، تابعهم لمفضل في { عَمَّ يتساؤلون } ، وقرأ الباقون بالتخفيف. وفي الغَسّاق أربعة أقوال:

أحدها: الزَّمهرير، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. وقال مجاهد: الغَسّاق لا يستطيعون أن يذوقوه من برده.

والثاني: أنه ما يجري من صديد أهل النار، رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال عطيّة، وقتادة، وابن زيد.

والثالث: أن الغَسّاق: عَيْنٌ في جهنَّم يسيل إِليها حُمَةُ كلِّ ذاتِ حُمَة من حَيَّة أو عقرب أو غيرها، فيستنقع، فيؤتى بالآدميّ فيُغْمَس فيها غَمْسةً، فيخرج وقد سقط جِلْدُه ولحمه عن العظام، ويَجُرُّ لحمَه جَرَّ الرجُل ثوبه، قاله كعب.

والرابع: أنه ما يَسيل من دموعهم، قاله السدي. قال أبو عبيدة: الغَسّاق: ما سال، يقال: غَسَقَت العين والجرح. وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي عن ابن قتيبة قال: لم يكن أبو عبيدة [يذهب] إلى أن في القرآن شيئا من غير لغة العرب. وكان يقول: هو اتفاق يقع بين اللغتين، وكان [غيرُه] يزعُم أن الغَسّاق: البارد المُنْتِن بلسان الترك. وقيل: فَعّال، من غَسَقَ يَغْسِقُ؛ فعلى هذا يكون عربيّاً. وقيل في معناه: إِنه الشديد البّرْد يحْرِق من بَرْده. وقيل: هو ما يَسيل من جلود أهل النار من الصديد.

قوله تعالى: { وآخَرُ } قرأ أبو عمرو، والمفضّل: { وأَخَرُ } بضم الهمزة من غير مدٍّ، فجمعا لأجل نعته بالأزواج، وهي جمع. وقرأ الباقون بفتح الألف ومدِّه على التوحيد، واحتجُّوا بأن العرب تنعت الاسم إِذا كان فعلاً بالقليل والكثير؛ قال الفراء: تقول: عذابُ فلانٍ ضُروبٌ شتَّى، وضَرْبان مختلفان؛ وإِن شئتَ جعلتَ الأزواج نعتاً للحميم والغَسّاق والآخر، فهُنَّ ثلاثةٌ، والأشبه أن تجعله صفة لواحد. وقال الزجاج: من قرأ " وآخرُ " بالمدِّ، فالمعنى: وعذاب آخر { مِنْ شَكْلِهِ } أي: مِثْلِ الأول. ومن قرأ: " وأُخَرُ " فالمعنى: وأنواعٌ أُخَر، لأن قوله: { أزواجٌ } بمعنى أنواع. وقال ابن قتيبة: " مِنْ شَكْلِهِ " أي: مِنْ نَحوِه، " أَزْوَاجٌ " أي: أصنافٌ. وقال ابن جرير: " مِنْ شَكْلِهِ " أي: مِنْ نَحوِ الحَميم. قال ابن مسعود في قوله { وآخرُ مِنْ شَكْلِهِ }: هو الزَّمهرير. وقال الحسن: لمّا ذكر اللهُ تعالى العذابَ الذي يكون في الدنيا، قال: " وآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ " أي: وآخرَ لم يُرَ في الدنيا.

السابقالتالي
2