الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي ٱلأَيْدِي وَٱلأَبْصَارِ } * { إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى ٱلدَّارِ } * { وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ ٱلْمُصْطَفَيْنَ ٱلأَخْيَارِ } * { وَٱذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَذَا ٱلْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنَ ٱلأَخْيَارِ } * { هَـٰذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ } * { جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ ٱلأَبْوَابُ } * { مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ } * { وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ أَتْرَابٌ } * { هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ ٱلْحِسَابِ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ }

قوله تعالى: { واذْكُرْ عِبادَنا } وقرأ ابن عباس، ومجاهد، وحميد، وابن محيصن، وابن كثير: { عبدَنا } ، إِشارة إِلى إِبراهيم، وجعلوا إِسحاق ويعقوب عطفاً عليه، لأنه الأصل وهما ولداه، والمعنى: اذْكُر صبرهم، فإبراهيم أُلقي في النار، وإِسحاق أُضجع للذبح، ويعقوب صبر على ذهاب بصره وابتُلي بفقد ولده؛ ولم يُذْكَر إِسماعيل معهم، لأنه لم يُبْتَلَ كما ابتُلوا.

{ أُولي الأيدي } يعني القوة في الطاعة { والأبصارِ } البصائر في الدِّين والعِلْم. قال ابن جرير: وذِكْر الأيدي مَثَلٌ، وذلك لأن باليد البطش، وبالبطش تُعرف قُوَّة القويِّ، فلذلك قيل للقويِّ: ذو يدٍ، وعنى بالبصر: بصر القلب، وبه تُنال معرفة الأشياء، وقرأ ابن مسعود، والأعمش، وابن أبي عبلة: { أُولي الأيدِ } بغير ياءٍ في الحالين. قال الفراء: ولها وجهان:

أحدهما: أن يكون القارئ لهذا أراد الأيدي، فحذف الياء، وهو صواب، مثل الجَوارِ والمناد.

والثاني: أن يكون من القُوَّة والتأييد، من قولهوَأَيَّدْنَاه بِرُوحِ القُدُسِ } [البقرة: 87].

قوله تعالى: { إِنَّا أَخْلَصْناهم } أي: اصطفيناهم وجعلناهم لنا خالصين، فأفردناهم بمُفْرَدة من خصال الخير؛ ثم أبان عنها بقوله: { ذكرى الدار }.

وفي المراد بالدار هاهنا قولان:

أحدهما: الآخرة.

والثاني: الجنة.

وفي الذكرى قولان:

أحدهما: أنها من الذِّكْر، فعلى هذا يكون المعنى: أَخْلَصْناهم بذِكْر الآخرة، فليس لهم ذِكْر غيرها، قاله مجاهد، وعطاء، والسدي. وكان الفُضَيل ابن عِياض رحمة الله عليه يقول: هو الخوف الدائم في القلب.

والثاني: أنها التذكير، فالمعنى: أنهم يَدْعُون الناس إِلى الآخرة وإِلى عبادة الله تعالى. قاله قتادة.

وقرأ نافع { بخالصةِ ذِكْرَى الدَّارِ } فأضاف " خالصة " إِلى " ذِكْرَى الدار ".

قال أبو علي: تحتمل قراءة من نوَّن وجهين:

أحدهما: أن تكون " ذكرى " بدلاً من " خالصة " ، والتقدير: أخلصناهم بذكر الدار.

والثاني: أن يكون المعنى: أخلصناهم بأن يذكُروا الدَّار بالتأهُّب للآخرة، والزُّهد في الدنيا. ومن أضاف فالمعنى: أخْلَصْناهم بإخلاصهم ذِكْرى الدَّار بالخوف منها. وقال ابن زيد: أخلصناهم بأفضل ما في الجنة.

قوله تعالى: { وإِنهم عندنا لَمِنَ المُصْطَفَيْنَ } أي: من الذين اتخذهم اللهُ صَفْوَةً فصفَّاهم من الأدناس { الأخيارِ } الذين اختارهم.

{ واذْكُر إِسماعيلَ والْيَسَعَ وذا الكفل } أي: اذْكُرْهم بفضلهم وصبرهم لِتَسْلُكَ طريقَهم، والْيَسَعُ نبيُّ، واسمه أعجميّ معرَّب، وقد ذكرناه في [الأنعام: 85] وشرحنا في سورة [الأنبياء: 85] قصة ذي الكفل، وتكلمنا في [البقرة: 125] في اسم إِسماعيل، وزعم مقاتل أن إِسماعيل هذا ليس بابن إبراهيم.

قوله تعالى: { هذا ذِكْرٌ } أي: شرف وثناءٌ جميل يُذْكَرون به أبداً { وإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مآبٍ } أي: حُسْنَ مَرْجِعٍ يرجعون إِليه في الآخرة.

ثم بيَّن ذلك المَرْجِع، فقال: { جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأبوابُ } قال الفراء: إنما رُفعت " الأبوابُ " لأن المعنى: مفتحةً لهم أبوابُها، والعرب تجعل الألف واللام خَلَفاً من الإِضافة، فيقولون: مررت على رَجُلٍ حَسَنِ العَيْنِ، وقبيح الأنف، والمعنى: حسنةٌ عينُه قبيحٌ أنفُه، ومنه قوله تعالى:

السابقالتالي
2