الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِٱلْعَشِيِّ ٱلصَّافِنَاتُ ٱلْجِيَادُ } * { فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } * { رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ } * { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ } * { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ } * { فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ } * { وَٱلشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ } * { وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } * { هَـٰذَا عَطَآؤُنَا فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } * { وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ } * { وَٱذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } * { ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَـٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } * { وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَىٰ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } * { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِّعْمَ ٱلْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }

قوله تعالى: { نِعْمَ العَبْدُ } يعني به سليمان.

وفي الأوّاب أقوال قد تقدمت في [بني إسرائيل: 25] ألْيَقُها بهذا المكان أنه رَجّاعٌ بالتَّوبة إِلى الله تعالى ممّا يقع منه من السَّهو والغَفْلة.

قوله تعالى: { إِذ ُعِرضَ عليه بالعَشيّ } وهو ما بعد الزَّوال { الصّافناتُ } وهي الخيل. وفي معنى الصّافنات قولان.

أحدهما: أنها القائمة على ثلاث قوائم، وقد أقامت الأخرى على طرف الحافر من يد أو رِجْل؛ وإِلى هذا المعنى ذهب مجاهد، وابن زيد، واختاره الزجاج، وقال: هذا أَكثرُ قيام الخيل إذا وقفت كأنَّها تراوح بين قوائمها. قال الشاعر:
أَلِفَ الصُّفُونَ فما يَزالُ كأنَّهُ   مِمّا يَقومُ على الثَّلاثِ كَسِيرا
والثاني: أنها القائمة، سواء كانت على ثلاث أو غير ثلاث. قال الفراء: على هذا رأيت العرب وأشعارهم تَدُلُّ على أنه القيام خاصة. وقال ابن قتيبة: الصافن في كلام العرب الواقفُ من الخيلِ وغيرها، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ سَرَّه أن يقومَ له الرجلُ صُفُوناً، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّار " ، أي: يُديمون القيام له.

فأمّا الجِيادُ، فهي السِّراعُ في الجَرْيِ. وفي سبب عرضها عليه أربعة أقوال:

أحدها: أنه عَرَضَها لأنه أراد جهاد عدوٍّ له، قاله عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.

والثاني: أنها كانت من دوابّ البحر. قال الحسن: بلغني أنها كانت خيلاً خرجتْ من البحر لها أجنحة. وقال إبراهيم التيمي: كانت عشرين فرساً ذات أجنحة. وقال ابن زيد: أخرجتْها له الشياطين من البحر.

والثالث: أنه وَرِثَها من أبيه داود عليه السلام، فعُرِضَتْ عليه، قاله وهب بن منبّه ومقاتل.

والرابع: أنه غزا جيشاً، فظَفِر به وغنمها، فدعا بها فعُرضَتْ عليه، قاله ابن السائب.

وفي عددها أربعة أقوال:

أحدها: ثلاثة عشر ألفاً، قاله وهب.

والثاني: عشرون ألفاً، قاله سعيد بن مسروق.

والثالث: ألف فرس، قاله ابن السائب، ومقاتل.

والرابع: عشرون فرساً، وقد ذكرناه عن إبراهيم التيمي.

قال المفسرون: ولم تزل تُعْرَض عليه إِلى أن غابت الشمس، ففاتته صلاة العصر، وكان مَهِيباً لا يبتدئه أحد بشيء، فلم يذكِّروه، ونسي هو، فلمّا غابت الشمسُ ذكر الصلاة، { فقال إِنِّي أَحْبَبْتُ } فتح الياء أهل الحجاز وأبو عمرو { حُبَّ الخَيْرِ } وفيه قولان:

أحدهما: أنه المال، قاله سعيد بن جبير، والضحاك.

والثاني: حُبُّ الخيل، قاله قتادة، والسدي. والقولان يرجعان إلى معنى واحد، لأنه أراد بالخير الخيلَ، وهي مال. وقال الفراء: العرب تسمِّي الخيل: الخير. قال الزجاج: وقد سمَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زَيْدَ الخيل: زَيْدَ الخير، ومعنى " أَحَبْبْتُ " آثرتُ حُبَّ الخَيْر على ذِكْر ربِّي؛ وكذلك قال غير الزجاج. " عن " بمعنى " على ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7