الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } * { ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ } * { وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ } * { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحِكْمَةَ وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ }

قوله تعالى: { وقالوا ربَّنا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنا } في سبب قولهم هذا قولان:

أحدهما: أنه لمّا ذُكِر لهم ما في الجنّة، قالوا هذا، قاله سعيد بن جبير، والسدي.

والثاني: أنه لمّا نزل قولهفأمَّا مَنْ أُوتيَ كتابَه بيمينه... } الآيات [الحاقة: 19-37]، قالت قريش: زعمتَ يا محمد أنّا نُؤتَى كتبنا بشمائلنا؟! فعجِّل لنا قِطَّنا، يقولون ذلك تكذيباً له. قاله أبو العالية ومقاتل.

وفي المراد بالقِطِّ أربعة أقوال:

أحدها: أنه الصحيفة، قاله أبو صالح عن ابن عباس. قال الفراء: القِطُّ في كلام العرب: الصَّكّ. وقال أبو عبيدة: القِطُّ الكتاب، والقُطُوط: الكتب بالجوائز، وإلى هذا المعنى ذهب الحسن، ومقاتل، وابن قتيبة.

والثاني: أن القِطَّ: الحساب، رواه الضحاك عن ابن عباس.

والثالث: أنه القضاء، قاله عطاء الخراساني، والمعنى أنهم لمّا وُعِدوا بالقضاء بينهم، سألوا ذلك.

والرابع: أنه النصيب، قاله سعيد بن جبير. [قال الزجاج: القِطُّ: النصيب، وأصله: الصحيفة يُكْتَب للإنسان فيها شيء يَصِل إِليه، واشتقاقة من قَطَطْتُ، أي: قَطَعْتُ، فالنَّصيب: هو القطعة من الشيء. ثم في هذا القول للمفسرين قولان:

أحدهما: أنهم سألوه نصيبهم من الجنة، قاله سعيد بن جبير].

والثاني: سألوه نصيبهم من العذاب، قاله قتادة. وعلى جميع الأقوال، إنما سألوا ذلك استهزاءً، لتكذيبهم بالقيامة.

{ اصْبِرْ على ما يقولونَ } أي: من تكذيبهم وأذاهم، وفي هذا قولان:

أحدهما: أنه أُمِر بالصبر، سلوكاً لطريق أًولي العزم، وهذا مُحْكَم.

والثاني: أنه منسوخ بآية السيف فيما زعم الكلبي.

قوله تعالى: { واُذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ } في وجه المناسبة بين قوله: { إِصبر } وبين قوله: { واُذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ } قولان:

أحدهما: أنه أمِرَ أن يتقوّى على الصَّبر بذِكْر قُوَّة داوُد على العبادة والطاعة.

والثاني: أن المعنى: عرِّفهم أن الأنبياء عليهم السلام ـ مع طاعتهم ـ كانوا خائفين منِّي، هذا داوُد مع قوَّته على العبادة، لم يزل باكياً مستغفراً، فكيف حالُهم مع أفعالهم.

فأما قوله: { ذَا الأيْدِ } فقال ابن عباس: هي القُوَّة في العبادة. وفي " الصحيحين " من حديث عبد الله بن عمرو قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " أَحَبُّ الصِّيام إلى الله صيامُ داوُدَ، كان يصومُ يوماً ويُفْطِر يوماً، وأَحَبُّ الصَّلاة إِلى الله صلاةُ داوُد، كان ينام نِصْفَ الليل ويقومُ ثُلثه وينامَ سُدسه "

وفي { الأوّاب } أقوال قد ذكرناها في [بني اسرائيل:25]. { إِنّا سَخَّرْنا الجبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ } قد ذكرنا تسبيح الجبال معه في [الأنبياء: 79]، وذكرنا معنى العَشِيّ في مواضع مما تقدم، [آل عمران: 41] [الأنعام: 53]، وذكرنا معنى الإشراق في [الحجر: 73] عند قوله { مُشْرِقِين }. قال الزجاج: الإِشراق: طلوعُ الشمس [وإِضاءتُها]، وروي عن ابن عباس أنه قال: طَلَبْتُ صلاةَ الضُّحى، فلم أَجِدْها إِلاّ في هذه الآية.

السابقالتالي
2