الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ } * { إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ } * { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ } * { طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } * { فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } * { ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ } * { ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى ٱلْجَحِيمِ } * { إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ آبَآءَهُمْ ضَآلِّينَ } * { فَهُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ } * { وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ } * { فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنذَرِينَ } * { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ }

{ أذَلكَ خَيْرٌ } يشير إلى ما وصف لأهل الجنة { نُزُلاً } قال ابن قتيبة: أي رزقاً. ومنه: إقامةُ الأنْزال، وأنزال الجنود: أرزاقُها. وقال الزجاج: النُّزل هاهنا الرَّيْع والفضل، يقال: هذا طعام له نُزْل ونُزُل، بتسكين الزاي وضمها؛ والمعنى: أذلك خير في باب الأنزال التي تُتَقوَّت ويمكن معها الإِقامة، أم نُزُل أهل النار؟! وهو قوله { أَمْ شجرةُ الزَّقُّومِ }.

واختلف العلماء هل هذه الشجرة في الدنيا، أم لا؟.

فقال قطرب: هي شجرة مُرَّة تكون بأرض تهامة من أخبث الشجر. وقال غيره: الزَّقُّوم ثمرة شجرة كريهة الطَّعم. وقيل: إِنها لا تُعرف في شجر الدنيا، وإنما هي في النار، يُكرَه أهلُ النار على تناولها.

قوله تعالى: { إِنَّا جعلْناها فتنة للظالمين } يعني للكافرين. وفي المراد بالفتنة ثلاثة أقْوال:

أحدها: أنه لما ذكر أنها في النار، افتُتنوا وكذَّبوا، فقالوا: كيف يكون في النار شجرة، والنار تأكل الشجر؟! فنزلت هذه الآية، قاله قتادة. وقال السدي: فتنة لأبي جهل وأصحابه.

والثاني: أن الفتنة بمعنى العذاب، قاله ابن قتيبة.

والثالث: أن الفتنة بمعنى الاختبار اختُبروا بها فكذَّبوا، قاله الزجاج.

قوله تعالى: { تَخْرُجُ في أَصْلِ الجَحيمِ } أي: في قَعْر النّار. قال الحسن: أصلُها في قَعْر النّار، وأغصانها ترتفع إلى دَرَكاتها { طَلْعُها } أي: ثمرها، وسُمِّي طَلْعاً، لطلوعة { كأنَّهُ رُؤوس الشياطينِ }.

فإن قيل: كيف شبَّهها بشيءٍ لم يُشاهَد؟ فعنه ثلاثة أجوبة:

أحدها: أنه قد استقرَّ في النفوس قُبح الشياطين ـ وإِن لم تُشاهَد ـ فجاز تشبيهها بما قد عُلِمَ قُبحه. قال امرؤ القيس:
أيَقْتُلُنِي والمَشْرَفِيُّ مُضَاجِعِي   ومَسْنُونَةٌ زُرْقٌ كأَنْيَاب أغْوالِ
قال الزجاج: هو لم ير الغُول ولا أنيابها، ولكن التمثيل بما يُستقبَح أبلغ في باب المذكّر أن يُمثَّل بالشياطين، وفي باب المؤنَّث أن يشبَّه بالغُول.

والثاني: أن بين مكة واليمن شجر يسمى: رؤوس الشياطين، فشبَّهها بها، قاله ابن السائب.

والثالث: أنه أراد بالشياطين: حيّات لها رؤوس ولها أعراف، فشبَّه طلعها برؤوس الحيّات، ذكره الزجاج. قال الفراء: والعرب تسمِّي بعض الحيّات شيطاناً، وهو حيّة ذو عُرْف قبيحُ الوجه.

قوله تعالى: { فإنَّهم لآكلون منها } أي: من ثمرها { فمالئون منها البُطونَ } وذلك أنهم يُكْرَهون على أكَلها حتى تمتلىء بطونهم.

{ ثُمَّ إنَّ لَهُمْ عليها لَشَوْباً من حَمِيمٍ } قال ابن قتيبة: أي: لَخلْطاً من الماء الحارِّ يشربونه عليها. قال أبو عبيدة: تقول العرب كلُّ شيء خَلَطْتَه بغيره فهو مشوب. قال المفسرون: إذا أَكلوا الزَّقُّوم ثم شربوا عليه الحميم، شابَ الحميمُ الزَّقُّوم في بطونهم فصار شَوْباً له.

{ ثُمَّ إنَّ مَرْجِعهم } أي: بعد أكل الزَّقُّوم وشُرب الحميم { لإلى الجحيم } وذلك أن الحميم خارج الجحيم، فهُم يوردَونه كما تورَد الإبلُ الماءَ، ثم يُرَدُّونَ إلى الجحيم؛ ويدُلُّ على هذا قولُه:يَطُوفون بَيْنَها وبَيْنَ حَميمٍ آنٍ } [الرحمن: 44]، و { ألْفَوْا } بمعنى وَجَدوا و { يُهْرَعُون } مشروح في [هود: 78]، والمعنى: أنهم يتَّبعون آباءَهم في سرعة { ولقد ضَلًَّ قَبْلَهم } أي: قَبْلَ هؤلاء المشركين { أكثرُ الأوَّلِينَ } من الأمم الخالية.

قوله تعالى: { إِلاَ عِبادَ اللهِ المُخْلَصِينَ } يعني الموحِّدين، فإنهم نجوا من العذاب. قال ابن جرير: وإِنما حَسُن الاستثناء، لأن المعنى: فانْظُر كيف أهلكْنا المُنْذَرِين إلا عباد الله.