الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ } * { قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } * { يَقُولُ أَءِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ } * { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ } * { قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ } * { فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } * { قَالَ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ } * { وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ } * { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ } * { إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { لِمِثْلِ هَـٰذَا فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ }

قوله تعالى: { فأقَبلَ بعضُهم على بعض } يعني أهل الجنة { يتساءلون } عن أحوال كانت في الدنيا.

{ قال قائل منهم إِنِّي كان لي قَرِينٌ } فيه أربعة أقوال:

أحدها: أنه الصّاحب في الدنيا.

والثاني: أنه الشريك رويا عن ابن عباس.

والثالث: أنه الشيطان، قاله مجاهد.

والرابع: أنه الأخ؛ قال مقاتل: وهما الأَخوان المذكوران في سورة [الكهف: 32] في قوله:واضْرِب لهم مَثَلاً رَجُلَينِ } والمعنى: كان لي صاحب أو أخ يُنْكِر البعث، { يقول أَئنَّكَ لَمِنَ المُصَدِّقِينَ } قال الزجاج: هي مخففة الصاد، من صدَّق يصدِّق فهو مصدِّق، ولا يجوز هاهنا تشديد الصاد. قال المفسرون: والمعنى: أئنَّك لَمِن المُصَدِّقِين بالبعث؟ وقرأ بكر بن عبد الرحمن القاضي عن حمزة { المُصَّدِقِينَ } بتشديد الصاد.

قوله تعالى: { أَئنا لَمَدِينُونَ } أي: مَجْزِيُّون بأعمالنا؛ يقال: دِنْتُهُ بما صنع، أي: جازيته، فأحَبَّ المؤمِنُ أن يَرى قرينَه الكافر، فقال لأهل الجنَّة، { هل أنتم مُطْلِعُونَ } أي: هل تحبُّون الاطِّلاع إِلى النَّار لتَعْلَمُوا أين منزلتُكم من منزلة أهلها؟ وقرأ ابن عباس، والضحاك، وأبو عمران، وابن يعمر: { هل أنتم مُطْلِعُونَ } بإسكان الطاء وتخفيفها { فأطْلِعَ } بهمزة مرفوعة وسكون الطاء. وقرأ أبو رزين، وابن أبي عبلة: { مُطلِعونِ } بكسر النون. قال ابن مسعود: اطَّلع ثم التفت إلى أصحابه فقال: لقد رأيتُ جماجم القوم تغلي؛ قال ابن عباس: وذلك أن في الجنة كُوىً ينظُر منها أهلُها إِلى النار.

قوله تعالى: { فرآه } يعني قرينة الكافر { في سَواءِ الجحيم } أي: في وسَطها. وقيل: إِنما سمي الوسَط سَواءً، لاستواء المسافة منه إلى الجوانب. قال خُليد العَصْري: واللهِ لولا أنَّ الله عرَّفه إَيَّاه، ما عرفه، لقد تغيَّر حَبْرُه وسِبْرُه. فعند ذلك { قال تالله إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ } قال المفسرون: معناه: واللهِ ما كِدْتَ إلاّ تُهْلِكني؛ يقال: أرديتُ فلاناً أي: أهلكْته { ولولا نِعْمةُ ربِّي } أي: إنعامه عليَّ بالإِسلام { لَكُنْتُ مِنَ المُحْضَرِينَ } معك في النّار.

قوله تعالى: { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ } فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه إذا ذُبح الموت، قال أهل الجنة: { أفَمَا نحن بميِّيتنَ، إِلاّ مَوْتَتَنا الأُولى } التي كانت في الدنيا { وما نحن بمعذَّبِينَ }؟ فيقال لهم: لا؛ فعند ذلك قالوا: { إنْ هذا لَهُوَ الفَوْزُ العظيمُ } ، فيقول الله تعالى { لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ العامِلونَ } ، قاله ابن السائب. وقيل: يقول ذلك للملائكة.

والثاني: أنه قول المؤمن لأصحابه، فقالوا له: إنك لا تموت، فقال: { إنْ هذا لَهُوَ الفَوْزُ العظيمُ } ، قاله مقاتل. وقال أبو سفيان الدمشقي: إِنما خاطب المؤمنُ أهلَ الجنة بهذا على طريق الفرح بدوام النَّعيم، لا على طريق الاستفهام، لأنه قد عَلِمَ أنَّهم ليسوا بميِّتين، ولكن أعاد الكلام ليزداد بتكراره على سمعه سروراً.

والثالث: أنه قول المؤمن لقرينه الكافر على جهة التوبيخ بما كان يُنْكِره، ذكره الثعلبي.

قوله تعالى: { لِمِثل هذا } يعنى النعيم الذي ذَكَره في قولهأولئك لهم رزق معلوم } [الصافات: 41] { فَلْيَعْمَلِ العامِلُونَ } ، وهذا ترغيب في طلب ثواب الله عز وجل بطاعته.