الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ } * { بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ } * { وَإِذَا ذُكِّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ } * { وَإِذَا رَأَوْاْ آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ } * { وَقَالُوۤاْ إِن هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } * { أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ } * { قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ } * { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ } * { وَقَالُواْ يٰوَيْلَنَا هَـٰذَا يَوْمُ ٱلدِّينِ } * { هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } * { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ } * { مِن دُونِ ٱللَّهِ فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْجَحِيمِ } * { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ } * { مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ } * { بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ }

قوله تعالى: { فاسْتَفْتِهِمْ } أي: فَسَْلهُمْ سؤالَ تقرير { أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً } أي: أَحْكَمُ صَنْعةً { أَمْ مَنْ خَلَقْنَا } فيه قولان:

أحدهما: أن المعنى: أَمْ مَنْ عدَدْنا خَلْقه من الملائكة والشياطين والسموات والأرض، قاله ابن جرير.

والثاني: أَمْ مَنْ خَلَقْنا قبلهم من الأمم السالفة، والمعنى: إنهم ليسوا بأقوى من أولئك وقد أهلكناهم بالتكذيب، فما الذي يؤمن هؤلاء؟!.

ثم ذكر خَْلق الناس فقال: { إِنّا خَلَقْناهم مِنْ طينٍ لازِبٍ } قال الفراء، وابن قتيبة: أي: لاصقٍ لازمٍ، والباء تُبدَلُ من الميم لقُربِ مَخْرَجَْيهما. قال ابن عباس: هو الطيّن الحُرُّ الجيِّد اللَّزِقُ. وقال غيره: هو الطِّين الذي يَنْشَف عنه الماءُ وتبقى رطوبتُه في باطنه فيَلْصَق باليد كالشمع. وهذا إِخبار عن تساوي الأصل في خَلْقهم وخَلْق مَن قَبْلَهم؛ فمن قدَر على إِهلاك الأقوياء، قَدرَ على إهلاك الضُّعفاء.

قوله تعالى: { بل عَجِبْتَ } " بل " معناه: تركُ الكلام الأول والأخذُ في الكلام الآخر، كأنه قال: دع يا محمد ما مضى.

وفي { عَجِبْتَ } قراءتان: قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: { بل عَجِبْتَ } بفتح التاء. وقرأ عليّ بن أبي طالب، وابن مسعود، وابن عباس، وأبو عبد الرحمن السلمي، وعكرمة، وقتادة، وأبو مجلز، والنخعي، وطلحة بن مصرف، والأعمش، وابن أبي ليلى، وحمزة، والكسائي في آخرين: { بل عَجِبْتُ } بضم التاء، [واختارها الفراء]. فمن فتح أراد: بل عَجِبْتَ يا محمد { ويَسْخَرونَ } هم. قال ابن السائب: أنتَ تَعْجَبُ منهم، وهم يَسْخَرون منك. وفي ما عجبَ منه قولان:

أحدهما: من الكفار إِذ لم يؤمِنوا بالقرآن.

والثاني: إذ كفروا بالبعث. ومن ضَمَّ، أراد الإِخبار عن الله عز وجل أنه عَجِبَ، قال الفراء: وهي قراءة عليّ، وعبد الله، وابن عباس، وهي أحبُّ إليّ، وقد أنكر هذه القراءة قوم، منهم شريح القاضي، فإنه قال: إن الله لا يَعْجَب إِنما يَعْجَبَ مَنْ لا يَعْلَم. قال الزجاج: وإنكار هذه القراءة غلط، لأن العَجَبَ من الله خلاف العَجَب من الآدميين، وهذا كقولهويَمْكُر اللهُ } [الأنفال: 30] وقولهسَخِر اللهُ منهم } [التوبة: 79] وأصل العَجَب في اللغة: أن الإِنسان إِذا رأى ما يُنْكرِهُ ويَقَلُّ مِثْلُه، قال: قد عَجَبتُ من كذا، وكذلك إِذا فَعَلَ الآدميُّون ما يُنْكِرُه اللهُ عز وجل، جاز أن يقول: عَجِبْتُ، واللهُ قد عَلِم الشيءَ قبل كونه. وقال ابن الأنباري: المعنى: جازيتُُهم على عجبهم من الحق فسمّى الجزاء على الشيء باسم الشيء الذي له الجزاء، فسمّى فعله عَجَباَ وليس بعَجَب في الحقيقة، لأن المتعَجِّب يدهش ويتحيَّر، واللهُ عزَ وجَلَّ قد جَلّ عن ذلك؛ وكذلك سُمِّي تعظيم الثواب عَجَباَ، لأنه إنما يُتعجَّب من الشيء إِذا كان في النهاية، والعرب تسمي الفعل باسم الفعل إِذا داناه من بعض وجوهه، وإن كان مخالفاً له في أكثر معانيه، قال عديّ:

السابقالتالي
2 3