الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } * { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ } * { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبِّحُونَ } * { وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ } * { لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ } * { لَكُنَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } * { فَكَفَرُواْ بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } * { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ } * { إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ } * { وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } * { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ } * { وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ } * { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ } * { فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَآءَ صَبَاحُ ٱلْمُنْذَرِينَ } * { وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ } * { وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ } * { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ } * { وَسَلاَمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

ثم أَخبر عن الملائكة بقوله: { وما مِنّا } والمعنى: ما مِنّا مَلَك { إلاّ له مَقامٌ مَعلومٌ } أي: مكان في السموات مخصوص يعبُد اللهَ فيه { وإِنّا لَنَحْنُ الصّافُّونَ } قال قتادة: صفوف في السماء. وقال السدي: هو الصلاة. وقال ابن السائب: صفوفهم في السماء كصفوف أهل الدنيا في الأرض.

قوله تعالى: { وإِنّا لَنَحْنُ المُسَبِّحونَ } فيه قولان:

أحدهما: المُصَلُّون.

والثاني: المنزِّهون لله عز وجل عن السُّوءِ. وكان عمر بن الخطاب إذا أُقيمت الصلاة أقبل على الناس بوجهه وقال: يا أيها الناس استوُوا، فإنما يريد اللهُ بكم هَدْي الملائكة، { وإِنّا لَنَحْنُ الصّافُّون، وإِنّا لَنَحْنُ المُسَبِّحون }.

ثم عاد إلى الإِخبار عن المشركين، فقال: { وإِنْ كانوا لَيَقُولونَ } اللام في " لَيَقُولونَ " لام توكيد؛ والمعنى: وقد كان كفار قريش يقولون قبل بعثة النبيّ صلى الله عليه وسلم، { لو أنّ عندنا ذِكْراً } أي: كتاباً { من الأَوَّلِينَ } أي: مثل كتب الأولين، وهم اليهود والنصارى، { لَكُنّا عِبَادَ الله المُخْلَصِينَ } أي: لأَخلصْنا العبادة لله عز وجل.

{ فكَفَروا به } فيه اختصار، تقديره: فلمّا آتاهم ما طلبوا، كفروا به، { فسوف يَعْلَمونَ } عاقبة كفرهم، وهذا تهديد لهم.

{ ولقد سَبَقَتْ كَلِمَتُنا } أي: تقدَّم وَعْدُنا للمرسَلِين بنصرهم، والكلمة قولهكَتَب اللهُ لأَغْلِبَنَّ أَنا ورُسُلِي } [المجادلة: 21]، { إِنّهم لَهُمُ المصُورون } بالحُجَّة، { وإنَّ جُندنا } يعني حزبنا المؤمنين { لَهُمُ الغالِبونَ } بالحُجَّة أيضاً والظَّفَر. { فَتَوَلَّ عنهم } أي: أعرِض عن كفار مكة { حتى حينٍ } أي: حتى تنقضيَ مُدَّةُ إِمهالهم. وقال مجاهد: حتى نأمرَك بالقتال؛ فعلى هذا الآيةُ محْكَمة. وقال في رواية: حتى الموت؛ وكذلك قال قتادة. وقال ابن زيد: حتى القيامة؛ فعلى هذا، يتطرَّق نسخُها. وقال مقاتل بن حيّان: نسختها آيةُ القتال.

قوله تعالى: { وأَبْصَرهُمْ } أي: انظُر إِليهم إِذا نزل العذاب. قال مقاتل بن سليمان: هو العذاب ببدر؛ وقيل: أَبْصِر حالَهم بقلبك { فسوف يُبْصِرونَ } ما اْنكروا، وكانوا يستعجلون بالعذاب تكذيباً به، فقيل: { أَفَبِعذابنا يستعْجِلونَ }.

{ فإذا نَزَلَ } يعني العذاب. وقرأ ابن مسعود، وأبو عمران، والجحدري، وابن يعمر: { فإذا نُزِّل } برفع النون وكسر الزاي وتشديدها { بِساحتهم } أي: بفِنائهم وناحيتهم، والساحة فِناء الدّار. قال الفراء: العرب تكتفي بالساحة والعَقْوة من القوم، فيقولون: نزل بك العذاب وبساحتك. قال الزجاج: فكان عذابُ هؤلاء القتل { فَساءَ صباحُ المُنْذَرِينَ } أي: بِئْسَ صباحُ الذين أًنذروا العذاب.

ثم كرَّر ما تقدم توكيداً لوعده بالعذاب، فقال: { وتَوَلَّ عنهم... } الآيتين.

ثم نزَّه نفسَهُ عن قولهم بقوله تعالى: { سُبْحانَ ربِّكَ ربِّ العِزَّةِ } قال مقاتل: يعني: عِزَّةَ مَنْ يتعزَّز من ملوك الدنيا.

قوله تعالى: { عَمَّا يَصِفُونَ } أي: من اتِّخاذ النساء والأولاد.

{ وسَلاَمٌ على المُرْسَلِينَ } فيه وجهان:

أحدهما: تسليمُه عليهم إكراماً لهم.

والثاني: إِخباره بسلامتهم.

{ والحَمْدُ للهِ ربِّ العالَمِينَ } على هلاك المُشْرِكِينَ ونُصرة الأنبياء والمرسَلين.