الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } * { فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } * { فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ } * { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ } * { لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } * { فَنَبَذْنَاهُ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ } * { وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ } * { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } * { فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ }

قوله تعالى: { إِذ أَبَقَ } قال المبرّد: تأويل " أبَقَ " تباعد؛ وقال أبو عبيدة: فَزِعَ؛ وقال الزجّاج: هرب؛ وقال بعض أهل المعاني: خرج ولم يؤذَن له، فكان بذلك كالهارب من مولاه. قال الزجاج: والفُلْك: السفينة، والمشحون المملوء، وساهم بمعنى [قارع]، { من المُدْحَضِينَ } أي: المغلوبِين؛ قال ابن قتيبة: يقال: أَدْحَضَ اللهُ حُجَّتَهُ، فَدَحَضَتْ، أي: أزالها [فزالت]، وأصل الدَّحْض: الزَّلَق.

الإِشارة إِلى قصته:

قد شرحنا بعض قصته في آخر (يونس) وفي [الأنبياء:86] على قدر ما تحتمله الآيات، ونحن نذكر هاهنا ما تحتمله. قال عبد الله بن مسعود: لمّا وعد يونس قومَه بالعذاب بعد ثلاث، جَأرَوا إِلى الله عز وجل واستغفروا، فكفّ عنهم العذاب، فانطلق مغاضباً حتى انتهى إلى قوم في سفينة فعرفوه فحملوه، فلمّا رَكِبَ السفينةَ وقَفَتْ، فقال: ما لسفينتكم؟ قالوا: لا ندري، قال: لكنِّي أدري، فيها عبد آبق من ربِّه، وإِنها والله لا تسير حتى تُلْقُوه، فقالوا: أمّا أنت يا نبيَّ الله فوالله لا نُلْقِيك، قال: فاقترِعوا، فمن قرع فَلْيَقَع، فاقترَعوا، فقرع يونس، فأبَوا أن يَُمكِّنوه من الوُقوع، فعادوا إلى القُرعة حتى قرع يونس ثلاث مرات. وقال طاووس: إن صاحب السفينة هو الذي قال: إنَّما يمنعُها أن تسير أنّ فيكم رجلاً مشؤوما، فاقترِعوا لنَلقيَ أحدنا، فاقترعوا، فقرع يونس ثلاث مرات.

قال المفسرون: وكَّل اللهُ به حوتاً، فلمّا ألقى نفسه في الماء التقمه، وأمر أن لا يضُرَّه ولا يَكْلِمَه، وسارت السفينة حينئذ. ومعنى التقمه: ابتعله.

{ وهو مُلِيمٌ } قال ابن قتيبة: أي: مُذْنِبٌ، يقال: ألامَ الرجلُ: إِذا أتى ذَنْباًَ يُلامُ عليه، قال الشاعر:
[تَعُدُّ مَعَاذِراً لا عُذْرَ فيها]   ومَنْ يَخْذُلْ أَخَاهُ فَقَدْ ألاَمَا
قوله تعالى: { فلولا أنّه كان مِنَ المُسَبِّحِينَ } فيه ثلاثة أقوال:

أحدها: مِنَ المُصَليِّن، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير.

والثاني: من العابدِين، قاله مجاهد، ووهب بن منبه.

والثالث: قوللا إِله إِلاّ أنتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمينَ } [الأنبياء:87]، قاله الحسن. وروى عمران القطّان عن الحسن قال: والله ما كانت إلاّ صلاة أَحدثَها في بطن الحوت؛ فعلى هذا القول، يكون تسبيحُه في بطن الحوت. وجمهور العلماء على أنه أراد: لولا ما تقدَّم له قبل التقام الحوت إيّاه من التسبيح، { لَلَبِثَ في بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } قال قتادة: لصار بطن الحوت له قبراً إِلى يوم القيامة، ولكنه كان كثير الصلاة في الرّخاء، فنجاه الله تعالى بذلك.

وفي قَدْر مكثه في بطن الحوت خمسة أقوال:

أحدها: أربعون يوماً، قاله أنس بن مالك، وكعب، وأبو مالك، وابن جريج، والسدي.

والثاني: سبعة أيام، قاله سعيد بن جبير، وعطاء.

والثالث: ثلاثة أيام، قاله مجاهد، وقتادة.

والرابع: عشرون يوماً، قاله الضحاك.

السابقالتالي
2