الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } * { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } * { قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ } * { أَوَلَـيْسَ ٱلَذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاواتِ وَٱلأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىٰ وَهُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ } * { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } * { فَسُبْحَانَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَرَ الإِنسانُ أَنَّا خَلَقْناه مِنْ نُطْفة } اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية والتي بعدها على خمسة أقوال:

أحدها: " أنه العاص بن وائل السهمي، أخذ عَظْماً من البطحاء ففتَّه بيده، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُحْيي اللهُ هذا بعد ما أرى؟ فقال: " نعم، يُميتُكَ الله ثُمَّ يُحْييكَ ثُم َّيُدخلكَ نار جهنَّم " ، فنزلت هذه الآيات. رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.

والثاني: أنه عبد الله بن أُبيّ بن سلول، جرى له نحو هذه القصة، رواه العوفي عن ابن عباس.

والثالث: أنه أبو جهل ابن هشام وأن هذه القصة جرت له، رواه الضحاك عن ابن عباس.

والرابع: أنه أُميَّةُ بن خَلَف، قاله الحسن.

والخامس: أنه أُبيُّ بن خَلَف الجُمَحي، وهذه القصة جرت له، قاله مجاهد، وقتادة، والجمهور، وعليه المفسِّرون.

ومعنى الكلام: التعجُّب مِنْ جهل هذا المخاصِم في إِنكاره البعث؛ والمعنى: ألا يَعلم أنه مخلوق فيتفكر في بدء خلقه فيترك خصومته؟! وقيل: هذا تنبيه له على نعمة الله عليه حيث أنشأه من نطفة فصار مجادلاً.

{ وضرب لنا مثلاً } في إِنكار البعث بالعَظْم البالي حين فتَّه بيده، وتعجَّب ممن يقول: إِن الله يُحْييه { ونَسِيَ خَلْقَهُ } أي: نَسِيَ خَلْقَنا له، أي: تَرَكَ النَّظَر في خَلْق نفسِه، إِذ خُلِق من نُطْفة. { قال من يُحْيِي العظامَ وهي رَميمٌ }! أي: بالية يقال: رَمَّ العَظْمُ، إِذا بَلِيَ، فهو رَمِيمٌ، لأنه معدول عن فاعله، وكل معدول عن وجهه و وزنه فهو مصروف عن إِعرابه كقوله:وما كانتْ أُمُّكِ بَغِْيّاً } [مريم: 28]، فأسقط الهاء لأنها مصروفة عن " باغية "؛ فقاس هذا الكافر قُدرة الله تعالى بقُدرة الخَلْق، فأنكر إِحياء العظم البالي لأن ذلك ليس في مقدور الخَلْق. { قُلْ يُحْييها الذي أَنشأهَا } أي: ابتدأ خَلْقها { أَوَّلَ مَرَّةٍ وهو بكُلِ خَلْقٍ } من الابتداء والإِعادة { عليمٌ }.

{ الذي جَعَلَ لكم مِنَ الشَّجر الأخضر ناراً } قال ابن قتيبة: أراد الزُّنُودَ التي تُورِي بها الأَعرابُ من شجر المَرْخِ والعَفَار. فإن قيل: لم قال: " الشَّجَرِ الأَخضرِ " ولم يقل: الشَّجَرِ الخُضْر؟

فالجواب: أن الشجر جمع، وهو يؤنَّث ويذكَّر، قال الله تعالى:فمالئون منها البُطونَ } [الواقعة: 53]، وقال: { فإذا أنتم منه توقِدونَ }.

ثم ذكر ما هو أعظم من خَلْق الإِنسان، فقال: { أوَ لَيْسَ الذي خَلَقَ السَّماواتِ والأرضِ بِقادِرٍ } وقرأ أبو بكر الصِّدِّيق، وعاصم الجحدري: { يَقْدِرُ } بياء من غير ألف { على أن يَخْلُقَ مِثْلَهم }؟! وهذا استفهام تقرير؛ والمعنى: مَنْ قَدَرَ على ذلك العظيم، قَدَرَ على هذا اليسير. وقد فسرنا معنى { أن يَخْلُقَ مِثْلَهم } في [بني إسرائيل: 99]؛ ثم أجاب هذا الاستفهام فقال: { بلى وهو الخَلاّقُ } يخلُق خَلْقاً بَعْدَ خَلْق. وقرأ أُبيُّ بن كعب، والحسن، وعاصم الجحدري: { وهو الخَالِقُ } { العليمُ } بجميع المعلومات. والمَلَكوتُ والمُلْكُ واحد. وباقي السورة قد تقدم شرحه [البقرة: 117، 32، الأنعام: 75].