الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ } * { وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ } * { وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } * { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ } * { لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ } * { فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ }

ثم ذكَّرهم قُدرته فقال: { أوَلَمْ يَرَوْا أنَّا خَلَقْنا لهم ممّا عَمِلَتْ أيدينا أَنعاماً } قال ابن قتيبة: يجوز أن يكون المعنى: ممّا عَمِلْناه بقوَّتنا وقدرتنا، وفي اليد القُدرةُ والقُوَّةُ على العمل، فتُستعارُ اليدُ فتُوضَع موضعها هذا مَجازٌ للعرب يحتملُه هذا الحرف، والله أعلم بما أراد. وقال غيره: ذِكْر الأيدي ها هنا يدلُّ على انفراده بما خَلَق، والمعنى: لم يشاركْنا أحد في إِنشائنا؛ والواحدُ مِنّا إِذا قال: عملتُ هذا بيدي، دلَّ ذلك على انفراده بعمله. وقال أبو سليمان الدمشقي: معنى الآية: ممّا أَوجدْناه بقُدرتنا وقوَّتنا؛ وهذا إِجماعٌ أنه لم يُرد هاهنا إلا ما ذكرْنا.

قوله تعالى: { فهُم لها مالكونَ } فيه قولان.

أحدهما: ضابطون، قاله قتادة، ومقاتل. قال الزجاج: ومثله في الشِّعر:
أَصبحتُ لا أَحملُ السِّلاحَ ولا   أملكُ رأسَ البعيرِ إِنْ نَفَرا
أي: لا أَضبِط رأس البعير.

والثاني: قادرون عليها بالتسخير لهم، قاله ابن السائب.

قوله تعالى: { وذلَّلْناها لهم } أي: سخَّرْناها، فهي ذليلة لهم { فمنها رَكُوبُهم } قال ابن قتيبة: الرَّكُوب: ما يَرْكَبون، والحَلوب: ما يَحْلُبُون. قال الفراء: ولو قرأ قارىءٌ: { فمنها رُكُوبُهم } ، كان وجهاً، كما تقول: منها أكلهم وشُربهم ورُكوبهم. وقد قرأ بضم الراء الحسن، وأبو العالية، والأعمش، وابن يعمر في آخرين. وقرأ أُبيُّ بن كعب، وعائشة: { رَكُوبَتُهم } بفتح الراء والباء وزيادة تاء مرفوعة. قال المفسرون: يركبون من الأنعام الإِبل، ويأكلون الغنم، { ولهم فيها منَافعُ } من الأصواف والأوبار والأشعار والنَّسْل { ومَشاربُ } [من] ألبانها، { أَفَلا يَشْكُرونَ } ربَّ هذه النِّعم فيوحِّدونه؟!.

ثم ذكر جهلهم فقال: { واتَّخَذوا مِنْ دون الله آلهةً لعلَّهم يُنْصَرون } أي: لتمنَعهم من عذاب الله؛ ثم أخبر أن ذلك لا يكون بقوله { لا يستطيعون نَصْرَهم } أي: لا تَقْدِرُ الأصنام على منعهم من أَمْرٍ أراده اللهُ بهم { وهُمْ } يعني الكفار { لَهُمْ } يعني الأصنام { جُنْدٌ مُحْضَرونَ } وفيه أربعة أقوال:

أحدها: جُنْدٌ في الدنيا مُحْضَرونَ في النار، قاله الحسن.

والثاني: مُحْضَرونَ عند الحساب، قاله مجاهد.

والثالث: المشركون جُنْدٌ للأصنام، يَغضبون لها في الدنيا، وهي لا تسوق إِليهم خيراً ولا تدفع عنهم شرّاً قاله قتادة. وقال مقاتل: الكفار يَغضبون للآلهة ويَحْضُرونها في الدنيا. وقال الزجاج: هم للأصنام ينتصرون، وهي لا تستطيع نصرهم.

والرابع: هم جُنْدٌ مُحْضَرون عند الأصنام يعبدونها، قاله ابن السائب.

قوله تعالى: { فلا يَحْزُنْكَ قولهُم } يعني قول كفار مكة في تكذيبك { إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ } في ضمائرهم من تكذيبك { وما يُعلِنونَ } بألسنتهم من ذلك؛ والمعنى إِنا نُثيبك ونجازيهم.