الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ } * { لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ }

قوله تعالى: { وما علَّمْناه الشِّعر } قال المفسرون: إِن كفار مكة قالوا: إِنَّ هذا القرآن شِعْر وإِن محمداً شاعر، فقال الله تعالى: { وما علَّمْناه الشِّعْر } { وما ينبغي له } أي: ما يتسهَّل له ذلك. قال المفسرون: ما كان يَتَّزن له بيتُ شِعر، حتى إِنه " روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه تمثَّل يوماً فقال: "
" كَفَى بالإِسلامِ والشَّيْبِ لِلْمَرْءِ ناهِياً "   
" فقال أبو بكر: يا رسول الله، إِنما قال الشاعر: "
كَفَى الشَّيْبُ والإِسلامُ لِلْمَرْءِ نَاهياً   
" أَشهدُ أنَّكَ رسولَ الله، ما علَّمكَ اللهُ الشِّعر، وما ينبغي لك. ودعا يوماً بعباس بن مرداس فقال: " أنت القائل: "
أَتَجْعَلُ نَهْبِي ونَهْبَ العبيـ...د بين الأَقْرَعِ وعُيَيْنَة "؟   
" فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي، لم يقل كذلك، فأنشده أبو بكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يَضُرُّكَ بأيِّهما بدأتَ " ، فقال أبو بكر: والله ما أنت بشاعر، ولا ينبغي لك الشِّعر. وتمثَّل يوماً، فقال: "
" ويَأتِكَ مَنْ لم تُزَوِّدْهُ بالأَخْبارِ "   
" فقال أبو بكر: ليس هكذا يا رسول الله، فقال: " إِنِّي لستُ بشاعر، ولا ينبغي لي " وإِنما مُنِعَ من قول الشِّعر، لئلا تدخُل الشُّبهة على قوم فيما أتى به من القرآن فيقولون: قوي على ذلك بما في طَبْعه من الفطنة للشِّعر.

قوله تعالى: { إِنْ هو } يعني القرآن { إِلاّ ذِكْرٌ } إِلا موعظة { وقرآنٌ مُبينٌ } فيه الفرائض والسُّنن [والأحكام].

قوله تعالى: { لِيُنْذِرَ } قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: " لِيُنْذِرَ " بالياء، يعنون القرآن. وقرأ نافع، وابن عامر، ويعقوب: " لِتُنْذِرَ " بالتاء، يعنون النبيَّ صلى الله عليه وسلم، أي: لِتُنْذَرَ يا محمَّدُ بما في القرآن. وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وابن السمفيع: " ليُنْذَرَ " ياء مرفوعة وفتح الذال والراء جميعاً.

قوله تعالى: { مَنْ كان حَيّاً } وفيه أربعة أقوال.

أحدها: حيّ القلب حيّ البصر، قال قتادة.

والثاني: من كان عاقلاً، قاله الضحاك. قال الزجاج: من كان يَعْقِل ما يخاطَب به، فإن الكافر كالميت في ترك النذير.

والثالث: مهتدياً، قاله السدي وقال مقاتل: من كان مهتدياً في عِلْم الله.

والرابع: من كان مؤمناً، قال يحيى بن سلام؛ وهذا على المعنى الذي قد سبق في قوله:إِنَّما تُنْذِرُ الذين يَخْشَوْنَ ربَّهم } [فاطر:18]، ويجوز أن يريد: إِنما يَنفع إِنذارُك مَنْ كان مؤمِناً في علم الله.

قوله تعالى: { ويحقَّ القول على الكافرين } معناه: يجب. وفي المراد بالقول قولان. أحدهما: أنه العذاب. والثاني: الحُجَّة.