الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } * { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { وَأَنِ ٱعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ } * { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } * { ٱصْلَوْهَا ٱلْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ }

قوله تعالى: { وامتازوا اليومَ أيُّها المُجْرِمون } قال ابن قتيبة: أي: انقطِعوا عن المؤمنين وتميَّزوا منهم، يقال: مِزتُ الشيءَ من الشيء: إذا عزلتَه عنه، فانماز وامتاز وميّزتُه فتميَّز.

قال المفسرون: إذا اختلط الإِنس والجن في الآخرة، قيل: { وامتازوا اليوم أيُّها المجرمون } ، فيقال للمجرمين { ألم أعهد إِليكم }؟ أي: ألم آمركم ألم أوصِكم؟ و " تعبُدوا " بمعنى تُطيعوا، والشيطان هو إبليس، زيَّن لهم الشِّرك فأطاعوه { إنَّه لكم عدوٌّ مُبِينٌ } ظاهر العداوة، أخرج أبويكم من الجنة.

{ وأنِ اعبُدوني } قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، والكسائي: { وأَنُ اعبُدوني } بضم النون. وقرأ عاصم، وأبو عمرو، وحمزة: { وأَنِ اعبُدوني } بكسر النون؛ والمعنى: وحِّدوني { هذا صراطٌ مستقيمٌ } يعني التوحيد.

{ ولقد أَضَلَّ منكم جِبَلاًّ } قرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي، وخلف: { جُبُلاً } بضم الجيم والباء وتخفيف اللام. وقرأ أبو عمرو، وابن عامر: " جُبْلاً " بضم الجيم وتسكين الباء مع تخفيف اللام. وقرأ نافع، وعاصم: " جِبِّلاً " بكسر الجيم والباء مع تشديد اللام. وقرأ علي بن أبي طالب، وابن عباس، وأبو عبد الرحمن السلمي، والزهري، والأعمش: { جُبُلًّا } بضم الجيم والباء مع تشديد اللام. وقرأ عبد الله بن عمرو، وابن السميفع: { جِبْلاً } بكسر الجيم وسكون الباء وتخفيف اللام. وقرأ سعيد بن جبير، وأبو المتوكل، ومعاذ القاريء: { جُبَلاً } برفع الجيم وفتح الباء وتخفيف اللام. وقرأ أبو العالية: وابن يعمر: { جِبَلاً } بكسر الجيم وفتح الباء وتخفيف اللام. وقرأ أبو عمران الجوني، وعمرو بن دينار: { جِبَالاً } مكسورة الجيم مفتوحة الباء وبألف. ومعنى الكلمة كيف تصرَّفت في هذه اللغات: الخَلْق والجماعة؛ فالمعنى: ولقد أضلَّ منكم خَلْقاً كثيرًا { أفلم تكونوا تَعْقِلونَ }؟ فالمعنى: قد رأيتم آثار الهالكين قبلكم بطاعة الشيطان، أفلم تعقلوا ذلك؟! وقرأ ابن عباس، وأبو رزين، وأبو عبد الرحمن السُّلَمي، وأبو رجاء، ومجاهد، وابن يعمر: { أفلم يكونوا يعقلون } بالياء فيهما، فإذا أُدْنُوا إلى جهنم قيل لهم: { هذه جهنَّمُ التي كنتم توعدون } بها في الدنيا { اصْلَوها } أي: قاسُوا حَرَّها.