الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ } * { وَٱلشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَـا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } * { وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ } * { لاَ ٱلشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ ٱلقَمَرَ وَلاَ ٱلَّيلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }

قوله تعالى: { وآيةٌ له الليلُ نَسْلَخُ منه النَّهار } أي: وعلامة لهم تَدُلُّ على توحيدنا وقدرتنا الليلُ نَسلخ منه النهار؛ قال الفراء: نرمي بالنهار عنه. و " منه " بمعنى " عنه ". وقال أبو عبيدة: نُخْرِجُ منه النهار ونميِّزه منه فتجيء الظُّلمة، قال الماوردي: وذلك أنّ ضوء النهار يتداخل في الهواء فيضيء، فإذا خرج منه أظلم. وقوله { فإذا هم مُظْلِمونَ } أي: داخلون في الظَّلام.

{ والشَّمْسُ } أي: وآيةٌ لهم الشمس { تَجري لِمُسْتَقَرٍّ لها } وفيه أربعة أقوال:

أحدها: إلى موضع قرارها؛ روى " أبو ذر قال سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله { لِمُسْتَقَرٍّ لها } قال: " مُسْتَقَرُّها تحت العَرْش " ، وقال: " إِنَّها تذهب حتى تسجُد بين يَدَي ربِّها، فتَستأذِنُ في الطُّلوع، فيؤذَنُ لها "

والثاني: أنَّ مُسْتَقَرَّها مغربها لا تجاوزُه ولا تقصر عنه، قاله مجاهد.

والثالث: لِوقت واحدٍ لا تعدُوه، قاله قتاده. وقال مقاتل: لِوقت لها إِلى يوم القيامة.

والرابع: تسير في منازلها حتى تنتهيَ إلى مُسْتَقَرِّها الذي لا تجاوزُه، ثم ترجِع إِلى أوَّل منازلها، قاله ابن السائب. وقال ابن قتيبة: إلى مُسْتَقَرٍ لها، ومُسْتَقَرُّها: أقصى منازلها في الغُروب، [وذلك] لأنها لا تزال تتقدَّم إِلى أقصى مغاربها، ثم ترجع.

وقرأ ابن مسعود، وعكرمة، وعليّ بن الحسين، والشيزري عن الكسائي: { لا مُسْتَقَرَّ لها } والمعنى: أنها تجري أبداً، لا تثبُت في مكان واحد.

قوله تعالى: { ذلك } الذي ذُكِر من أمر الليل والنهار والشمس { تقديرُ العزيزِ } في مُلكه { العليمِ } بما يقدِّر.

قوله تعالى: { والقَمَرَ } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: " والقَمَرُ " بالرفع. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: و " القَمَرَ " بالنصب. قال الزجاج: من قرأ بالنصب فالمعنى: وقدَّرْنا القمر قدَّرناه منازل. ومن قرأ بالرفع فالمعنى: وآيةٌ لهم القمرُ قدَّرْناه، ويجوز أن يكون على الابتداء، و " قدَّرْناه " الخبر.

قال المفسِّرون: ومنازلُ القمر ثمانيةٌ وعشرون منزِلاً، ينزِلها من أوَّل الشَّهر إلى آخره، وقد سمَّيناها في سورة [يونس: 5]، فإذا صار إلى آخر منازله دَقَّ فعاد كالعُرجون، وهو عود العِذْق الذي تركته الشماريخ فإذا جفَّ وقَدُمُ يشبه الهلال. قال ابن قتيبة: و " القديم " هاهنا: الذي قد أتى عليه حَوْلٌ، شُبِّه القمرُ آخِر لَيلةٍ يطلعُ به. قال الزجاج: وتقدير " عُرجون ": فُعْلون من الانعراج.

وقرأ أبو مجلز، وأبو رجاء، والضحاك، وعاصم الجحدري، وابن السميفع: { كالعِرْجَوْن } بكسر العين.

قوله تعالى: { لا الشَّمس ينبغي لها أن تُدْرِك القمر } فيه ثلاثة أقوال:

أحدهما: أنهما إذا اجتمعا في السماء، كان أحدهما بين يَدَي الآخر، فلا يشتركان في المنازل، قاله ابن عباس.

والثاني: لا يُشْبِه ضوءُ أحدهما ضوءُ الآخر، قاله مجاهد.

والثالث: لا يجمتع ضوءُ أحدهما مع الآخر، فإذا جاء سُلطان أحدهما ذهب سُلطان الآخر، قاله قتادة؛ فيكون وجه الحكمة في ذلك أنه لو اتصل الضوء لم يُعرف الليل.

قوله تعالى: { ولا الليَّلُ سابِقُ النَّهارِ } وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وأبو عمران، وعاصم الجحدري: { سابِقُ } بالتنوين " النَّهارَ " بالنصب، وفيه قولان:

أحدهما: لا يَتقدَّم الليلُ قبل استكمال النهار.

والثاني: لا يأتي ليل بعد ليل من غير نهارٍ فاصلٍ بيهما. وباقي الآية مفسَّر في سورة [الأنبياء:33].