قوله تعالى: { يا حَسْرَةً على العِبَاد } قال الفراء: المعنى: يالها حَسْرَة على العباد. وقال الزجاج: الحَسْرَةُ أن يَرْكَبَ الإِنسان من شِدَّة الندم مالا نهاية له حتى يبقى قلبُه حَسِيراً. وفي المتحسِّر على العباد قولان: أحدهما: أنهم يتحسَّرون على أنفسهم، قال مجاهد والزجاج: استهزاؤهم بالرُّسل كان حسرةً عليهم في الآخرة. وقال أبو العالية: لمَّا عايَنوا العذاب، قالوا: يا حسرتنا على المرسَلين، كيف لنا بهمُ الآن حتى نؤمِن. والثاني: أنه تحسُّر الملائكة على العباد في تكذيبهم الرُّسل، قاله الضحاك. ثم خوَّف كُفَّاَر مكَّة فقال: { ألم يَرَوا } أي: ألم يَعْلَموا { كم أهلكْنا قبلهم من القرون } فيعتبروا ويخافوا أن نعجِّل لهم الهلاك كما عجِّل لمن أُهلك قبلهم ولم يرجعوا إلى الدنيا؟!. قال الفراء: وأَلِف { أنَّهم } مفتوحة، لأن المعنى: ألم يَرَوا أنَّهم إِليهم لا يرجعون. وقد كسرها الحسن، كأنه لم يُوقِع الرؤية على " كم " ، فلم يوقِعها على { أنّ } ، وإِن استأنفتَها كسرتَها. قوله تعالى: { وإِنْ كُلٌّ لَمَا } وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة: " لَمَّا " بالتشديد، { جميعٌ لدينا مُحضَرون } أي: إِن الأُمم يُحضَرون يوم القيامة، فيجازَون بأعمالهم. قال الزجاج: من قرأ " لَمَا " بالتخفيف، فـ { ما } زائدة مؤكِّدة، والمعنى: وإِنْ كُلُّ لَجميعٌ، ومعناه: وما كُلُّ إِلاَّ جميع لدينا مُحضَرون. ومن قرأ " لَمَّا " بالتشديد، فهو بمعنى " إلاَّ " تقول: " سألتُكَ لَمَّا فعلتَ " وإلاَّ فعلتَ. { وآيةٌ لهم الأرضُ المَيْتَةُ } وقرأ نافع: { المَيِّتَةُ } بالتشديد، وهو الأصل، والتخفيف أكثر، وكلاهما جائز؛ { وآيةٌ } مرفوعة بالابتداء، وخبرها " لهم " ، ويجوز أن يكون خبرها " الأرضُ الميتةُ "؛ والمعنى: وعلامةٌ تدلُّهم على التوحيد وأنَّ الله يَبْعَثُ الموتى أحياءً الأرضُ الميتةُ. قوله تعالى: { فَمِنْهُ يأكلُونَ } يعنى ما يُقتات من الحبوب. قوله تعالى: { وَجْعَلْنَا فيها } وقوله: { وفجَّرنا فيها } يعني في الأرض. قوله تعالى: { ليأكُلوا مِنَ ثَمَره } يعني النخيل، وهو في اللفظ مذكَّر. { وما عَمِلَتْهُ أيديهم } قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحفص عن عاصم: " عَمِلَتْهُ " بهاءٍ. وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: { عَمِلَتْ } بغير هاءٍ. والهاء مُثْبَتة في مصاحف مكة والمدينة والشام والبصرة. ومحذوفة من مصاحف أهل الكوفة. قال الزجاج: وضع " ما " خفض؛ والمعنى: ليأكُلوا من ثمره وممَّا عملَتْه أيديهم؛ ويجوز أن يكون " ما " نفياً؛ المعنى: ولم تعمله أيديهم، وهذا على قراءه من أثبت الهاء. فإذا حُذفت الهاءُ، فالاختيار أن تكون " ما " في موضع خفض. وتكون بمعنى " الذي " فَيحْسُن حذف الهاء. وكذلك ذكر المفسِّرون القولين. فمن قال بالأول، قال: ليأكُلوا ممَّا عملتْ أيديهم، وهو الغُروس والحُروث التي تعبوا فيها، ومن قال بالثاني قال: ليأكُلوا ما ليس مِنْ صُنعهم، ولكنه مِنْ فِعل الحق عز وجل { أفلا يشكُرون } الله تعالى فيوحِّدوه؟!. ثم نزَّه نفسه بقوله { سبحانَ الذي خَلَق الأزواج كُلَّها } يعني الأجناس كلَّها { ممّا تُنْبِتُ الأرضُ } من الفواكهة والحبوب وغير ذلك { ومِنْ أَنُفسهم } وهم الذكور والإِناث { وممَّا لا يَعْلَمُونَ } من دوابِّ البَرِّ والبحر وغير ذلك ممّا لم يَقِفوا على عِلْمه.