قوله تعالى: { أفَمَنْ زُيِّنَ له سُوءُ عمله } اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال. أحدها: أنها نزلت في أبي جهل ومشركي مكة، قاله ابن عباس. والثاني: في أصحاب الأهواء والمِلل التي خالفت الهُدى، قاله سعيد بن جبير. والثالث: أنهم اليهود والنصارى والمجوس، قاله أبو قلابة. فان قيل: أين جواب { أفَمَنْ زُيِّن له }؟. فالجواب: من وجهين ذكرهما الزجاج. أحدهما: أن الجواب محذوف؛ والمعنى: أفَمَنْ زُيِّن له سُوء عمله كمن هداه الله؟! ويدُلُّ على هذا قوله: { فانَّ الله يُضِلُّ من يشاء ويَهدي من يشاء }. والثاني: أن المعنى: أفَمَنْ زُيِّن له سوء عمله فأضلَّه اللّهُ ذهبتْ نفسُك عليهم حسرات؟! ويدلُّ على هذا قوله: { فلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عليهم حَسَراتٍ }. وقرأ أبو جعفر { فلا تُذْهِبْ } بضم التاء وكسر الهاء { نَفْسَكَ } بنصب السين. وقال ابن عباس: لا تغتمَّ ولا تُهْلِكْ نَفْسَكَ حَسْرة على تركهم الإِيمان. قوله تعالى: { فتُثيرُ سحاباً } أي: تُزعجه من مكانه؛ وقال أبو عبيدة: تجمعُه وتجيء به، و { سُقْناه } بمعنى: «نسوقه»؛ والعرب قد تضع «فَعَلْنَا» في موضع «نَفْعَلُ»، وأنشدوا:
إِن يَسْمَعُوا رِيبَةً طاروا بها فَرَحاً
مِنِّي ومَا سَمعوا مِنْ صَالحٍ دَفَنُوا
المعنى: يَطيروا ويَدفِنوا. قوله تعالى: { كذلك النُّشور } وهو الحياة. وفي معنى الكلام قولان. أحدهما: كما أحيا اللّهُ الأرض بعد موتها يُحيي الموتى يوم البعث. روى أبو رزين العقيلي، " قال: قلت: يا رسول الله: كيف يُحيي اللّهُ الموتى؟ وما آيةُ ذلك في خَلْقه؟ فقال: «هل مررتَ بوادي أهلك مَحْلاً؟ ثم مررتَ به يهتزُّ خَضِراً؟» قلت: نعم، قال: «فكذلك يُحيي اللّهُ الموتى، وتلك آيتُه في خَلْقه» ". والثاني: كما أحيا اللّهُ الأرض المينة بالماء، كذلك يُحيي الله الموتى بالماء. قال ابن مسعود: يرسِلُ اللّهُ تعالى ماءً من تحت العرش كمنِيِّ الرجال، قال: فتنبت لُحْمانهم وجُسْمانهم من ذلك الماء، كما تنبت الأرض من الثرى، ثم قرأ هذه الآية. وقد ذكرنا في [الأعراف:57] نحو هذا الشرح.