الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِيۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ } * { ٱلَّذِيۤ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ } * { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } * { إِنَّ ٱللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً }

ثم أخبر عمَّا يقولون عند دخولها، وهو قوله: { الحمدُ لله الذي أَذهب عنَّا الحَزَنَ } الحَزَن والحُزْن واحد، كالبَخَل والبُخْل.

وفي المراد بهذا الحزن خمسة أقوال.

أحدها: أنه الحزن لطول المقام في المحشر. روى أبو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أمَّا السابق، فيدخل الجنة بغير حساب، وأما المقتصِد، فيحاسَب حساباً يسيراً، وأما الظَّالم لنفسه، فانه حزين في ذلك المقام " فهو الحزن والغم، وذلك قوله تعالى: { الحمد لله الذي أذهب عنّا الحَزَن }.

والثاني: أنه الجوع، رواه أبو الدرداء أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، [ولا يصح]، وبه قال شمر بن عطية. وفي لفظ عن شمر أنه قال: الحزن: هَمُّ الخُبز، وكذلك روي عن سعيد بن جبير أنه قال: الحزن: هَمُّ الخُبز في الدنيا.

والثالث: أنه حزن النار، رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس.

والرابع: حزنهم في الدنيا على ذُنوب سلفت منهم، رواه عكرمة عن ابن عباس.

والخامس: حزن الموت، قاله عطية.

والآية عامَّة في هذه الأقوال وغيرها، ومن القبيح تخصيص هذا الحزن بالخبز وما يشبهه، وإِنما حزنوا على ذُنوبهم وما يوجبه الخوف.

قوله تعالى: { الذي أحلَّنا } أي: أنزلنا { دارَ المُقامة } قال الفراء: المُقامة هي الإِقامة، والمَقامة: المجلس، بالفتح لا غير، قال الشاعر:
يَوْمَانِ يَوْمُ مَقامَاتٍ وأنْدِيَةٍ   وَيَوْمُ سَيْرٍ إِلى الأعْدَاءِ تأْوِيبِ
قوله تعالى: { مِنْ فَضْلِه } قال الزجاج: أي: بتفضُّله، لا بأعمالنا. والنَّصَبُ: التَّعَب. واللُّغوب: الإِعياء من التَّعب. ومعنى { لُغُوب }: شيء يُلْغِب؛ أي: لا نتكلّف شيئاً نُعَنّى منه.

قوله تعالى: { لا يُقْضى عليهم فيموتوا } أي: لايهلكون فيستريحوا ممَّا هُمْ فيه، ومثله:فوكزه موسى فقضى عليه } [القصص:51]. قوله تعالى: { كذلك نَجْزي كُلِّ كَفورٍ } وقرأ أبو عمرو: { يُجزى } بالياء { كُلُّ } برفع اللام. وقرأ الباقون: { نَجزي } بالنون «كُلَّ» بنصب اللام.

قوله تعالى: { وهم يَصْطَرِخُون فيها } وهو افتعال من الصُّراخ: والمعنى: يستغيثون، فيقولون: { ربَّنا أَخْرِجنا نعملْ صالحاً } أي: نوحِّدك ونُطيعك { غيرَ الذي كُنَّا نَعملُ } من الشِّرك والمعاصي؛ فوبَّخهم الله تعالى بقوله: { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكم } قال أبو عبيدة: معناه التقرير، وليس باستفهام؛ والمعنى: أولم نعمِّركم عُمُراً يتذكرَّ فيه من تَذَكَّر؟!

وفي مقدار هذا التعمير أربعة أقوال.

أحدها: أنه سبعون سنة، قال ابن عمر: هذه الآية تعبير لأبناء السبعين.

والثاني: أربعون سنة.

والثالث: ستون سنة، رواهما مجاهد عن ابن عباس، وبالأول منهما قال الحسن، وابن السائب.

والرابع: ثماني عشرة سنة، قاله عطاء، ووهب بن منبّه، وأبو العالية، وقتادة.

قوله تعالى: { وجاءكم النَّذير } فيه أربعة أقوال.

أحدها: أنه الشيب، قاله ابن عمر، وعكرمة، وسفيان بن عيينة؛ والمعنى: أَوَلَمْ نعمِّرْكم حتى شِبتم؟!.

والثاني: النبيّ صلى الله عليه وسلم، قاله قتادة، وابن زيد، وابن السائب، ومقاتل.

والثالث: موت الأهل والأقارب.

والرابع. الحمّى ذكرهما الماوردي.

قوله تعالى: { فذُوقوا } يعني: العذاب { فما للظالمين من نصير } أي: من مانع يَمنع عنهم. وما بعد هذا قد تقدم بيانه [المائدة:7] إِلى قوله: { خلائفَ في الأرض } وهي الأُمَّة التي خَلَفَتْ مَنْ قَبْلها ورأت فيمن تقدَّمها ما ينبغي أن تَعتبر به { فمن كَفَر فعليه كُفره } أي: جزاء كفره.