الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ } * { وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ }

قوله تعالى: { قُلِ ادْعُوا الذين زعمتم } المعنى: قل للكفار: ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهةٌ ليُنْعِموا عليكم بنِعْمة، أو يكشفوا عنكم بليَّة. ثم أخبر عنهم فقال: { لا يَمْلِكون مثقال ذرَّة في السَّموات ولا في الأرض } أي: من خير وشرّ ونفع وضُرّ { وما لهم فيهما من شِرْكٍ } لم يشاركونا في شيء من خلقهما، { وماله } أي: وما لله { منهم } أي: من الآلهة { من ظَهير } أي: من مُعِين على شيء.

{ ولا تَنْفَعُ الشَّفاعةُ عنه إِلاَّ لِمَن أَذِنَ له } قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر: { أُذِنَ له } بفتح الألف. وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وخلف: { أُذِنَ له } برفع الألف وعن عاصم كالقراءتين. أي: لا تنفع شفاعة مَلَك ولا نبيّ حتى يُؤْذَن له في الشفاعة، وقيل: حتى يؤذَن له فيمن يشفع. وفي هذا ردّ عليهم حين قالوا: إِن هذه الآلهة تشفع لنا.

{ حتّى إِذا فُزِّعَ عن قُلوبهم } قرأ الأكثرون: { فُزِّعَ } بضم الفاء وكسر الزاي. قال ابن قتيبة: خُفِّفَ عنها الفَزَع. وقال الزجاج: معناه: كُشِف الفَزَع عن قلوبهم. وقرأ ابن عامر، ويعقوب، وأبان: { فَزَعَ } بفتح الفاء والزاي، والفعل لله عز وجل. وقرأ الحسن، وقتادة، وابن يعمر: { فرغ } بالراء غير معجمة، وبالغين معجمة، وهو بمعنى الأول، لأنها فرغت من الفزع. وقال غيره: بل فرغت من الشك والشِّرك.

وفي المشار إِليهم قولان.

أحدهما: أنهم الملائكة. وقد دلَّ الكلام على أنهم يفزعون لأمر يطرأ عليهم من أمر الله، ولم يذكره في الآية، لأن إِخراج الفزع يدل على حصوله. وفي سبب فَزَعهم قولان.

أحدهما: أنهم يفزعون لسماع كلام الله تعالى. روى عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إِذا تكلَّم اللّهُ بالوحي سمع أهلُ السماء صلصلةً كجرِّ السلسلة على الصفا، فيصعقون، فلا يزالون كذلك حتى يأتيَهم جبريل، فاذا جاءهم جبريل فزِّع عن قلوبهم، فيقولون: يا جبريل: ماذا قال ربُّك؟ قال: فيقول: الحق، فينادون: الحقّ الحقّ " وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إِذا قضى اللّهُ عزَّ وجل الأمرَ في السماء ضَربت الملائكةُ بأجنحتها خُضْعَاناً لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فاذا فزِّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربُّكم، قالوا: للذي قال الحقَّ { وهو العلي الكبير } ". والثاني: أنهم يفزعون من قيام الساعة. وفي السبب الذي ظنُّوه بدنوِّ الساعة ففزعوا، قولان.

أحدهما: أنه لمَّا كانت الفترة التي بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم، ثم بعث اللّهُ محمداً، أنزَل اللّهُ جبريل بالوحي، فلمَّا نزل ظنَّت الملائكة أنه نزل بشيء من أمر الساعة، فصعقوا لذلك، فجعل جبريل يمرُّ بكل سماءٍ ويكشف عنهم الفَزَع ويُخبرهم أنه الوحي، قاله قتادة، ومقاتل، وابن السائب.

السابقالتالي
2