الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ٱللاَّتِيۤ آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ ٱللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ ٱلنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيۤ أَزْوَاجِهِـمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } * { تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِيۤ إِلَيْكَ مَن تَشَآءُ وَمَنِ ٱبْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً } * { لاَّ يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيباً }

قوله تعالى: { إِنَّا أَحْلَلْنَا لكَ أزواجكَ } ذكر الله تعالى أنواع الأنكحة التي أحلَّها له، فقال: { أزواجَك اللاَّتي آتيتَ أُجورهُنَّ } أي: مهورهُنَّ، وهُنَّ اللَّواتي تزوَّجْتَهُنَّ بصداق { وما ملكتْ يمينُك } يعني الجواري { مِمَّا أفاء اللّهُ عليك } أي: ردَّ عليك من الكفار، كصفيَّة وجُوَيرية، فانه أعتقهما وتزوجهما { وبناتِ عمِّك وبناتِ عمَّاتك } يعني نساء قريش { وبتاتِ خالك وبناتِ خالاتك } يعني نساء بني زُهْرة { اللاَّتي هاجرن معك } إِلى المدينة. قال القاضي أبو يعلى: و [ظاهر] هذا يدلُّ على أن من لم تهاجر معه من النساء لم يَحِلَّ له نكاحها. وقالت أُمُّ هانىء: خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرتُ إِليه بعذر، ثم أنزل اللّهُ تعالى: { إِنَّا أَحللنا لك أزواجك } إِلى قوله: { اللاَّتي هاجَرْنَ معك } ، قالت: فلم أكن لأحَلَّ له، لأنِّي لم أُهاجِر معه، كنتُ من الطُّلَقاء؛ وهذا يدلُّ مِنْ مذهبها أنَّ تخصيصه بالمهاجرات قد أوجب حظر مَنْ لم تُهاجِر.

وذكر بعض المفسرين: أن شرط الهجرة في التحليل منسوخ، ولم يذكر ناسخه. وحكى الماوردي في ذلك قولين.

أحدهما: أن الهجرة شرط في إِحلال النساء له على الإِطلاق.

والثاني: أنه شرط في إِحلال قراباته المذكورات في الآية دون الأجنبيات.

قوله تعالى: { وامرأةً مؤمنةً } أي: وأَحلَلْنا لك امرأة مؤمنة { إِنْ وهبتْ نَفْسَها } لك، { إِن أراد النبيُّ أن يَستنكحها } أي: إِن آثر نكاحها { خالصةً لكَ } أي: خاصة. قال الزجّاج: وإِنما قال: { إِن وهبتْ نَفْسَها للنبيِّ } ، ولم يقل: «لك»، لأنه لو قال: «لك»، جاز أن يُتوهَّم أن ذلك يجوز لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاز في بنات العمِّ وبنات العمَّات. { وخالصةً } منصوب على الحال.

وللمفسرين في معنى { خالصةً } ثلاثة أقوال.

أحدها: أن المراة إِذا وهبت له نفسها، لم يلزمه صَداقُها دون غيره من المؤمنين، قاله أنس بن مالك، وسعيد بن المسيّب.

والثاني: أنَّ له أن يَنْكِحها بِلاَ وليّ ولا مَهْر دون غيره، قاله قتادة.

والثالث: خالصةً لك أن تملك عقد نكاحها بلفظ الهبة دون المؤمنين، وهذا قول الشافعي، وأحمد.

وفي المرأة التي وهبتْ له نَفْسها أقوال.

أحدها: أُمّ شَريك. والثاني: خولة بنت حكيم. ولم يدخل بواحدة منهما. وذكروا أن لبلى بنت الخطيم وهبت نفسها له فلم يقبلها. قال ابن عباس: لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له. وقد حكي عن ابن عباس أن التي وهبت نفسها له ميمونة بنت الحارث؛ وعن الشعبي: أنها زينب بنت خزيمة. والأول: أصح.

قوله تعالى: { قد عَلِمْنَا ما فَرَضْنا عليهم } أي: على المؤمنين غيرك { في أزواجهم } وفيه قولان.

أحدهما: أن لا يجاوز الرجل أربع نسوة، قاله مجاهد.

السابقالتالي
2 3