قوله تعالى: { إِنَّا أَحْلَلْنَا لكَ أزواجكَ } ذكر الله تعالى أنواع الأنكحة التي أحلَّها له، فقال: { أزواجَك اللاَّتي آتيتَ أُجورهُنَّ } أي: مهورهُنَّ، وهُنَّ اللَّواتي تزوَّجْتَهُنَّ بصداق { وما ملكتْ يمينُك } يعني الجواري { مِمَّا أفاء اللّهُ عليك } أي: ردَّ عليك من الكفار، كصفيَّة وجُوَيرية، فانه أعتقهما وتزوجهما { وبناتِ عمِّك وبناتِ عمَّاتك } يعني نساء قريش { وبتاتِ خالك وبناتِ خالاتك } يعني نساء بني زُهْرة { اللاَّتي هاجرن معك } إِلى المدينة. قال القاضي أبو يعلى: و [ظاهر] هذا يدلُّ على أن من لم تهاجر معه من النساء لم يَحِلَّ له نكاحها. وقالت أُمُّ هانىء: خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرتُ إِليه بعذر، ثم أنزل اللّهُ تعالى: { إِنَّا أَحللنا لك أزواجك } إِلى قوله: { اللاَّتي هاجَرْنَ معك } ، قالت: فلم أكن لأحَلَّ له، لأنِّي لم أُهاجِر معه، كنتُ من الطُّلَقاء؛ وهذا يدلُّ مِنْ مذهبها أنَّ تخصيصه بالمهاجرات قد أوجب حظر مَنْ لم تُهاجِر. وذكر بعض المفسرين: أن شرط الهجرة في التحليل منسوخ، ولم يذكر ناسخه. وحكى الماوردي في ذلك قولين. أحدهما: أن الهجرة شرط في إِحلال النساء له على الإِطلاق. والثاني: أنه شرط في إِحلال قراباته المذكورات في الآية دون الأجنبيات. قوله تعالى: { وامرأةً مؤمنةً } أي: وأَحلَلْنا لك امرأة مؤمنة { إِنْ وهبتْ نَفْسَها } لك، { إِن أراد النبيُّ أن يَستنكحها } أي: إِن آثر نكاحها { خالصةً لكَ } أي: خاصة. قال الزجّاج: وإِنما قال: { إِن وهبتْ نَفْسَها للنبيِّ } ، ولم يقل: «لك»، لأنه لو قال: «لك»، جاز أن يُتوهَّم أن ذلك يجوز لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاز في بنات العمِّ وبنات العمَّات. { وخالصةً } منصوب على الحال. وللمفسرين في معنى { خالصةً } ثلاثة أقوال. أحدها: أن المراة إِذا وهبت له نفسها، لم يلزمه صَداقُها دون غيره من المؤمنين، قاله أنس بن مالك، وسعيد بن المسيّب. والثاني: أنَّ له أن يَنْكِحها بِلاَ وليّ ولا مَهْر دون غيره، قاله قتادة. والثالث: خالصةً لك أن تملك عقد نكاحها بلفظ الهبة دون المؤمنين، وهذا قول الشافعي، وأحمد. وفي المرأة التي وهبتْ له نَفْسها أقوال. أحدها: أُمّ شَريك. والثاني: خولة بنت حكيم. ولم يدخل بواحدة منهما. وذكروا أن لبلى بنت الخطيم وهبت نفسها له فلم يقبلها. قال ابن عباس: لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة وهبت نفسها له. وقد حكي عن ابن عباس أن التي وهبت نفسها له ميمونة بنت الحارث؛ وعن الشعبي: أنها زينب بنت خزيمة. والأول: أصح. قوله تعالى: { قد عَلِمْنَا ما فَرَضْنا عليهم } أي: على المؤمنين غيرك { في أزواجهم } وفيه قولان. أحدهما: أن لا يجاوز الرجل أربع نسوة، قاله مجاهد.