الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِيناً } * { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً }

قوله تعالى: { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة... } الآية، في سبب نزولها قولان.

أحدهما: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق يخطب زينب بنت جحش لزيد بن حارثة، فقالت: لا أرضاه، ولستُ بِنَاكِحَتِه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بلى فانكحيه، فانِّي قد رضيتُه لك»، فأبت " ، فنزلت هذه الآية. وهذا المعنى مرويّ عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والجمهور. وذكر بعض المفسرين أن عبد الله بن جحش أخا زينب كره ذلك كما كرهته زينب، فلمَّا نزلت الآيةُ رضيا وسلَّما. قال مقاتل: والمراد بالمؤمن: عبد الله بن جحش، والمؤمنة: زينب بنت جحش.

والثاني: " أنها نزلت في أُمِّ كُلثوم بنت عُقْبة بن أبي مُعَيط، وكانت أوَّل امرأة هاجرت، فوهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «قد قَبلْتُكِ»، وزوَّجها زيدَ بن حارثة، فسخطت هي وأخوها، وقالا: إِنَّما أردنا رسولَ الله فزوَّجها عبدَه " ؟ فنزلت هذه الآية، قاله ابن زيد. والأول عند المفسرين أصح.

قوله تعالى: { إِذا قضى اللّهُ ورسولُه أمراً } أي: حَكَما بذلك { أن تكون } وقرأ أهل الكوفة: { أن يكون } بالياء { لهم الخِيَرَةُ } وقرأ أبو مجلز، وأبو رجاء: { الخِيْرَةُ } باسكان الياء؛ فجمع في الكناية في قوله «لهم»، لأن المراد جميع المؤمنين والمؤمنات، والخِيرَة: الاختيار، فأعلم الله عز وجل أنه لا اختيار على ما قضاه الله ورسوله، فلمَّا زوَّجها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زيداً مكثت عنده حيناً، ثم إِن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منزل زيد فنظر إِليها وكانت بيضاء جميلة من أتمِّ نساء قريش، فوقعت في قلبه، فقال: «سبحان مقلِّب القلوب»، وفطن زيد، فقال: يا رسول الله ائذن لي في طلاقها. وقال بعضهم: أتى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم منزل زيد، فرأى زينب، فقال: «سبحان مقلِّب القلوب»، فسمعت ذلك زينب، فلمَّا جاء زيد ذكرت له ذلك، فعلم أنها قد وقعت في نفسه، فأتاه فقال: يا رسول الله ائذن لي في طلاقها. وقال ابن زيد: جاء رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إِلى باب زيد - وعلى الباب سِتْر من شعر - فرفعت الريح السِّتر، فرأى زينب، فلمَّا وقعت في قلبه كرهت إِلى الآخر، فجاء فقال: يا رسول الله أُريد فراقها، فقال له: «اتق الله». وقال مقاتل: لمَّا فطن زيد لتسبيح رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله ائذن لي في طلاقها، فان فيها كِبْراً، فهي تَعظَّم عليَّ وتؤذيني بلسانها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: { أمسك عليك زوجك واتق الله }. ثم إِن زيداً طلَّقها بعد ذلك، فأنزل الله تعالى: { وإِذ تقولُ للذي أنعم اللّهُ عليه } بالاسلام { وأنعمتَ عليه } بالعِتْق.

السابقالتالي
2 3