الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } * { وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً } * { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } * { وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَـآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً } * { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } * { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً } * { وَٱذْكُـرْنَ مَا يُتْـلَىٰ فِي بُيُوتِكُـنَّ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ وَٱلْحِكْـمَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً }

قوله تعالى: { يا أيُّها النبيُّ قُلْ لأزواجكَ... } الآية، ذكر أهل التفسير " أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم سألنه شيئاً من عرض الدنيا، وطلبن منه زيادة النفقة، وآذينه بغَيْرة بعضهنّ على بعض، فآلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْهُنَّ شهراً، وصَعِد إِلى غرفة له فمكث فيها، فنزلت هذه الآية، وكُنَّ أزواجُه يومئذ تسعاً. عائشة، وحفصة، وأم حبيبة، وسَوْدة، وأم سَلَمة، وصَفِيَّة الخيبريَّه، وميمونة الهلالية؛ وزينب بنت جحش، وجويرية بنت الحارث، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض الآية عليهنّ، فبدأ بعائشة، فاختارت الله ورسوله، ثم قالت: يا رسول الله لا تُخبر أزواجك أنِّي اخترتك؛ فقال: «إِن الله بعثني مُبلِّغاً ولم يبعثني متعنِّتاً» " وقد ذكرت حديث التخيير في كتاب «الحدائق» وفي «المغني» بطوله. وفي ما خيَّرهنَّ فيه قولان.

أحدهما: أنه خيَّرهن بين الطلاق والمقام معه، هذا قول عائشة عليها السلام.

والثاني: أنه خيَّرهنَّ بين اختيار الدنيا فيفارقهنّ، أو اختيار الآخرة فيُمسكهنّ، ولم يخيِّرهنّ في الطلاق، قاله الحسن، وقتادة.

وفي سبب تخييره إِيَّاهُنَّ ثلاثة أقوال.

أحدها: أنَّهنَّ سألنَه زيادة النَّفقة.

والثاني: أنَّهنَّ آذَينه بالغَيْرة، والقولان مشهوران في التفسير.

والثالث: أنه لمَّا خُيِّر بين ملك الدنيا ونعيم الآخرة فاختار الآخرة، أُمِر بتخيير نسائه ليكنَّ على مِثْل حاله، حكاه أبو القاسم الصَّيمري.

والمراد بقوله: { أُمَتَّعْكُنَّ }: مُتعة الطلاق. والمراد بالسَّراح: الطلاق، وقد ذكرنا ذلك في [البقرة:231]. والمراد بالدار الآخرة. الجنة. والمُحْسِنات: المُؤْثِرات للآخرة.

قال المفسرون: فلمّا اخْتَرْنَه أثابهنَّ اللّهُ عز وجل ثلاثة أشياء.

أحدها: التفضيل على سائر النساء بقوله: { لَسْتُنَّ كأحَد من النساء }.

والثاني: أن جَعَلَهُنَّ أُمَّهات المؤمنين.

والثالث: أن حظر عليه طلاقَهُنَّ والاستبدال بهنّ بقوله:لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ } [الأحزاب:52]. وهل أُبيح له بعد ذلك التزويج عليهنّ؟ فيه قولان سيأتي ذِكْرهما إِن شاء الله تعالى.

قوله تعالى: { مَنْ يأتِ مِنْكُنَّ بفاحشة مُبَيِّنة } أي: بمعصية ظاهرة. قال ابن عباس: يعني النشوز وسوءَ الخُلُق { يُضَاعَفْ لها العذابُ ضِعفين } أي: يُجعل عذاب جُرمها في الآخرة كعذاب جُرمَين، كما أنها تُؤتى أجرَها على الطاعة مرتين. وإِنما ضوعف عِقابُهنّ، لأنهنَّ يشاهدن من الزّواجر الرَّادعة مالا يُشاهِد غيرُهن، فاذا لم يمتنعن استحققن تضعيف العذاب، ولأن في معصيتهنَّ أذىً لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وجُرم من آذى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أكبرُ من جُرم غيره.

قوله تعالى: { وكان ذلك على الله يسيراً } أي: وكان عذابُها على الله هيِّناً. { ومن يَقْنُت } أي: تُطع، و { وأعتدنا } قد سبق بيانه [النساء:37]، والرِّزق الكريم: الحَسَن، وهو الجنة.

ثُمَّ أظهر فضيلتهنَّ على النساء بقوله: { لَسْتُنَّ كأَحد من النساء } قال الزجاج: لم يقل: كواحدة من النساء، لأن «أَحَداً» نفي عامّ للمذكَّر والمؤنَّث والواحد والجماعة.

السابقالتالي
2 3