الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ أوْلَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } * { يَحْسَبُونَ ٱلأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ وَإِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي ٱلأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَآئِكُمْ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ مَّا قَاتَلُوۤاْ إِلاَّ قَلِيلاً } * { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً } * { وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ قَالُواْ هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً }

قوله تعالى: { قد يَعْلَمُ اللّهُ المعوِّقين منكم } في سبب نزولها قولان.

أحدهما: أن رجلاً انصرف من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب، فوجد أخاه لأُمِّه وابيه وعنده شِواءُ ونبيذٌ، فقال له: أنتَ هاهنا ورسولُ الله بين الرِّماح والسيوف؟! فقال: هلمَّ إِليَّ، لقد أُحيطَ بك وبصاحبك؛ والذي يُحْلَفُ به لا يستقبلها محمدٌ أبداً؛ فقال له: كذبتَ، والذي يُحْلَف به، أما والله لأُخْبِرَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بأمرك، فذهب إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبرَه، فوجده قد نزل جبريل بهذه الآية إِلى قوله: { يسيراً } ، هذا قول ابن زيد.

والثاني: أن عبد الله بن أُبيّ ومُعتّب بن قُشَير والمنافقين الذين رجعوا من الخندق إِلى المدينة، كانوا إِذا جاءهم منافق قالوا له: ويحك اجلس فلا تخرُج، ويكتُبون بذلك إِلى إِخوانهم الذين في العسكر أن ائتونا بالمدينة فإنَّا ننتظركم - يثبِّطونهم عن القتال - وكانوا لا يأتون العسكر إِلاَّ أن لا يجدوا بُدّاً، فيأتون العسكر ليرى الناسُ وجوههم، فاذا غُفل عنهم، عادوا إِلى المدينة، فنزلت هذه الآية، قاله ابن السائب.

والمعوِّق: المثبّط؛ تقول: عاقني فلان، واعتاقني، وعوَّقني: إِذا منعك عن الوجه الذي تريده. وكان المنافقون يعوِّقون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نُصَّاره.

قوله تعالى: { والقائلين لإِخوانهم هَلُمَّ إِلينا } فيهم ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه المنافق الذي قال لأخيه ما ذكرناه في قول ابن زيد.

والثاني: أنهم اليهود دعَواْ إِخوانهم من المنافقين إِلى ترك القتال، قاله مقاتل.

والثالث: أنهم المنافقون دعَواْ المسلمين إِليهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حكاه الماوردي.

قوله تعالى: { ولا يأتون البأْس } أي: لا يحضُرون القتال في سبيل الله { إِلاَّ قليلاً } للرِّياء والسُّمعة من غير احتساب، ولو كان ذلك [القليل] لله لكان كثيراً.

قوله تعالى: { أَشِحَّةً عليكم } قال الزجاج: هو منصوب على الحال. المعنى: لا يأتون الحرب إِلا تعذيراً، بخلاءَ عليكم.

وللمفسرين فيما شحُّوا به أربعة أقوال.

أحدها: أشحة بالخير، قاله مجاهد.

والثاني: بالنفقة في سبيل الله.

والثالث: بالغنيمة، رويا عن قتادة. وقال الزجاج: بالظَّفَر والغنيمة.

والرابع: بالقتال معكم، حكاه الماوردي.

ثم أخبر عن جُبنهم فقال: { فاذا جاء الخوفُ } أي: إِذا حضر القتال { رأيتَهم ينظُرون إِليك تدورُ أعينُم كالذي يُغْشَى عليه مِنَ الموت } أي: كدوَران عين الذي يُغْشَى عليه من الموت، وهو الذي دنا موته وغشيتْه أسبابُه، فانه يخاف ويذهل عقله ويشخص بصره فلا يَطْرِف، فكذلك هؤلاء، لأنهم يخافون القتل.

{ فاذا ذهبَ الخوفُ سَلَقُوكم } قال الفراء: آذَوْكم بالكلام في الأمن { بألسنة حِدادٍ } سليطة ذَرِبة، والعرب تقول: صَلَقوكم، بالصاد، ولا يجوز في القراءة؛ وهذا قول الفراء.

السابقالتالي
2