الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ يٰأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَٱرْجِعُواْ وَيَسْتَئْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً } * { وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً } * { وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ ٱللَّهِ مَسْئُولاً } * { قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ ٱلْمَوْتِ أَوِ ٱلْقَتْلِ وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { قُلْ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوۤءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً }

قوله تعالى: { وإِذ قالت طائفة منهم } يعني من المنافقين. وفي القائلين لهذا منهم قولان.

أحدهما: عبد الله بن أُبيّ وأصحابه، قاله السدي.

والثاني: بنو سالم من المنافقين، قاله مقاتل.

قوله تعالى: { يا أهل يثرب } قال أبو عبيدة: يَثْرِب: اسم أرض، ومدينةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في ناحية منها. قوله تعالى: { لا مَقَامَ لكم } وقرأ حفص عن عاصم { لا مُقَامَ } بضم الميم. قال الزجاج: من ضمَّ الميم، فالمعنى: لا إِقامة لكم؛ ومن فتحها، فالمعنى: لا مكان لكم تُقيمون فيه. وهؤلاء كانوا يثبِّطون المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله تعالى: { فارجِعوا } أي: إِلى المدينة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالمسلمين حتى عسكروا بـ «سَلْعِ»، وجعلوا الخندق بينهم وبين القوم، فقال المنافقون للناس: ليس لكم هاهنا مُقام، لكثرة العدوِّ، وهذا قول الجمهور. وحكى الماوردي قولَين [آخرَين].

أحدهما: لا مُقام لكم على دين محمد فارجِعوا إِلى دين مشركي العرب، قاله الحسن.

والثاني: لا مُقام لكم على القتال، فارجعوا إِلى طلب الأمان، قاله الكلبي.

قوله تعالى: { ويستأذنُ فريقٌ منهم النَّبيَّ } فيه قولان.

أحدهما: أنهم بنو حارثة، قاله ابن عباس. وقال مجاهد: بنو حارثة ابن الحارث بن الخزرج. وقال السدي: إِنما استأذنه رجلان من بني حارثة.

والثاني: بنو حارثة، وبنو سلمة بن جشم، قاله مقاتل.

قوله تعالى: { إِنَّ بيوتنا عَوْرة } قال ابن قتيبة: أي: خاليةٌ، فقد أمْكَن من أراد دخولَها، وأصل العَوْرة: ما ذهب عنه السِّتر والحِفظ، فكأنَّ الرجال سِترٌ وحفظٌ للبيوت، فاذا ذهبوا أعْوَرت البيوتُ، تقول العرب: أَعْوَرَ منزلي: إِذا ذهب سِتْرُه، أو سقط جداره، وأعْوَرَ الفارسُ: إِذا بان منه موضع خلل للضرب والطعن، يقول الله: { وما هي بِعَوْرة } لأنَّ الله يحفظها، ولكن يريدون الفرار. وقال الحسن، ومجاهد: قالوا: بيوتنا ضائعة نخشى عليها السُّرَّاق. وقال قتادة: قالوا: بيوتنا ممَّا يلي العدوّ، ولا نأمنَ على أهلنا، فكذَّبهم الله وأعلَم أنَّ قصدهم الفرار.

قوله تعالى: { ولو دُخِلَتْ عليهم من أقطارها } يعني المدينة؛ والأقطار: النواحي والجوانب، واحدها: قُطْر، { ثم سُئلوا الفتنة } وقرأ عليّ بن أبي طالب عليه السلام، والضحاك، والزهري، وأبو عمران، وأبو جعفر، وشيبة: { ثم سُيِلوا } برفع السين وكسر الياء من غير همز. وقرأ أُبيُّ بن كعب، ومجاهد، وأبو الجوزاء: { ثم سوءِلوا } برفع السين ومدِّ الواو بهمزة مكسورة بعدها. وقرأ الحسن، وأبو الأشهب: { ثم سُوْلوا } برفع السين وسكون الواو من غير مدٍّ ولا همز. وقرأ الأعمش، وعاصم الجحدري: { ثم سِيْلوا } بكسر السين ساكنة الياء من غير همز ولا واو. ومعنى: { سُئلوا الفتنة } ، أي: سُئلوا فعلها؛ [والفتنة: الشِّرك، { لآتَوْها } ] قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر: { لأَتَوَهْا } بالقصر، أي: لقصدوها، ولفعلوها.

السابقالتالي
2