الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } * { ذٰلِكَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } * { ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلإِنْسَانِ مِن طِينٍ } * { ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ } * { ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ }

قوله تعالى: { يدبِّر الأَمر من السماء إِلى الأرض } في معنى الآية قولان.

أحدهما: يقضي القضاء من السماء فينزِّله مع الملائكة إِلى الأرض، { ثم يَعْرُجُ } الملَك { إِليه في يوم } من أيام الدنيا، فيكون الملَك قد قطع في يوم واحد من أيام الدنيا في نزوله وصعوده مسافة ألف سنة من مسيرة الآدمي.

والثاني: يدبِّر أمر الدنيا مدة أيَّام الدنيا، فينزِّل القضاء والقدر من السماء إِلى الأرض، { ثم يعرُج إِليه } أي: يعود إِليه الأمر والتدبير حين ينقطع أمر الأمراء وأحكام الحكّام وينفرد الله تعالى بالأمر { في يوم كان مقداره ألف سنة } وذلك في [يوم] القيامة، لأنَّ كل يوم من أيام الآخرة كألف سنة.

وقال مجاهد: يقضي أمر ألف سنة في يوم واحد، ثم يلقيه إِلى الملائكة، فاذا مضت قضى لألف سنة آخرى، ثم كذلك أبداً.

وللمفسرين في المراد بالأمر ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه الوحي، قاله السدي.

والثاني: القضاء، قاله مقاتل.

والثالث: أمر الدنيا.

و { يعرُج } بمعنى يصعَد. قال الزجاج: يقال: عَرَجْتُ في السُّلَّم أعرُج، وعَرِج الرجُل يعرَج: إِذا صار أعرج.

وقرأ معاذ القارىء، وابن السميفع، وابن أبي عبلة: { ثم يُعْرَجُ إِليه } بياء مرفوعة وفتح الراء. وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء: { يَعْرِجُ } بياء مفتوحة وكسر الراء. وقرأ أبو عمران الجوني، وعاصم الجحدري: { ثم تَعْرُجُ } بتاء مفتوحة ورفع الراء.

قوله تعالى: { الذي أحسنَ كُلَّ شيء خَلَقه } فيه خمسة أقوال.

أحدها: جعله حَسَناً.

والثاني: أحكم كل شيء، رويا عن ابن عباس، وبالأول قال قتادة، وبالثاني قال مجاهد.

والثالث: أحسنه، لم يتعلمه من أحد، كما يقال: فلان يُحْسِن كذا: إِذا عَلِمه، قاله السدي، ومقاتل.

والرابع: أن المعنى: ألهم خَلْقه كلَّ ما يحتاجون إِليه، كأنه أعلمهم كل ذلك وأحسنهم، قاله الفراء.

والخامس: أحسن إِلى كل شيء خَلْقه، حكاه الماوردي.

وفي قوله: { خَلْقَه } قراءتان. قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر: { خَلْقَه } ساكنة اللام. وقرأ الباقون بتحريك اللام. وقال الزجاج: فتحها على الفعل الماضي، وتسكينها على البدل، فيكون المعنى: أحسنَ خَلْقَ كلِّ شيء خَلَقه. وقال أبو عبيدة: المعنى: أحسن خَلْق كلِّ شيء، والعرب تفعل مثل هذا، يقدِّمون ويؤخِّرون.

قوله تعالى: { وبدأ خَلْقَ الإِنسان } يعني آدم، { ثم جعل نسله } أي: ذرِّيته وولده؛ وقد سبق شرح الآية [المؤمنون:12].

ثم رجع إِلى آدم فقال: { ثُمَّ سوَّاه ونَفَخ فيه من رُوحه } وقد سبق بيان ذلك [الحجر:29]. ثم عاد إِلى ذريته فقال: { وجَعَل لكم السَّمْع والأبصار } أي: بعد كونكم نُطَفاً.