الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } * { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقَيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ } * { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ لاَ يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِيَمَانُهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } * { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَٱنتَظِرْ إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ }

قوله تعالى: { ولقد آتَيْنا موسى الكتاب } يعني التوراة { فلا تَكُنْ في مِرْيَة من لقائه } فيه أربعة أقوال.

أحدها: فلا تكن في مرية من لقاء موسى ربَّه، رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والثاني: من لقاء موسى ليلة الإِسراء، قاله أبو العالية، ومجاهد، وقتادة، وابن السائب.

والثالث: فلا تكن في شكٍّ من لقاء الأذى كما لقي موسى، قاله الحسن.

والرابع: لا تكن في مرية من تلقِّى موسى كتابَ الله بالرضى والقبول، قاله السدي. قال الزجاج: وقد قيل: فلا تكن في شكٍّ من لقاء موسى الكتاب، فتكون الهاء للكتاب. وقال أبو علي الفارسي: المعنى: من لقاء موسى الكتاب، فأضيف المصدر إِلى ضمير الكتاب، وفي ذلك مدح له على امتثاله ما أُمر به، وتنبيه على الأخذ بمثل هذا الفعل. وفي قوله: { وجعلناه هُدىً } قولان.

أحدهما: الكتاب، قاله الحسن.

والثاني: موسى، قاله قتادة.

{ وجعلنا منهم } أي: من بني إِسرائيل { أئمَةً } أي: قادة في الخير { يَهْدُونَ بأمرنا } أي: يدعون الناس إِلى طاعة الله { لمَّا صبروا } [قرأ ابن كثير، وعاصم، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: { لَمَّا صبروا } بفتح اللام وتشديد الميم. وقرأ حمزة، والكسائي: { لِمَا } بكسر اللام خفيفة. وقرأ ابن مسعود { بما } بباء مكان اللام؛ والمراد: صبرهم] على دينهم وأذى عدوِّهم { وكانوا بآياتنا يوقِنون } أنها من الله عز وجل؛ وفيهم قولان.

أحدهما: أنهم الأنبياء.

والثاني: أنهم قومٌُ صالحون سوى الأنبياء. وفي هذا تنبيه لقريش أنكم إِن أَطعتم جعلتُ منكم أئمة.

قوله تعالى: { إِنَّ ربَّكَ هو يَفْصِلُ بينهم } أي: يقضي ويحكُم؛ وفي المشار إِليهم قولان.

أحدهما: أنهم الأنبياء وأُممهم.

والثاني: المؤمنون والمشركون.

ثم خوَّف كفار مكة بقوله: { أَوَلَمْ يَهْدِ لهم } وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي: { نَهْدِ } بالنون. وقد سبق تفسيره في [طه:128].

{ أَوَلَمْ يَرَواْ أنَّا نَسُوق الماء } يعني المطر والسيل { إِلى الأرض الجُرُز } وهي التي لا تُنبت - وقد ذكرناها في أول [الكهف:8] - فاذا جاء الماء أنبتَ فيها ما يأكل الناس والأنعام.

{ ويقولون } يعني كفار مكة { متى هذا الفتح } وفيه أربعة أقوال.

أحدها: أنه ما فتح يوم بدر؛ روى عكرمة عن ابن عباس في هذه الآية قال: يومَ بدر فُتح للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلم ينفع الذين كفروا إِيمانُهم بعد الموت.

والثاني: أنه يوم القيامة، وهو يوم الحُكم بالثواب والعقاب، قاله مجاهد.

والثالث: أنه اليوم الذي يأتيهم فيه العذاب في الدنيا؛ قاله السدي.

والرابع: فتح مكة، قاله ابن السائب، والفراء، وابن قتيبة؛ وقد اعتُرض على هذا القول، فقيل: كيف لا ينفع الكفارَ إِيمانُهم يوم الفتح، وقد أسلم جماعة وقُبِلَ إِسلامُهم يومئذ؟! فعنه جوابان.

السابقالتالي
2