الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } * { فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } * { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } * { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

قوله تعالى: { ولكنْ حَقَّ القولُ مِنِّي } أي: وجب وسبق؛ والقول هو قوله لإِبليسلأَملأنَّ جهنَّم منكَ وممَّن تَبِعك منهم أجمعين } [ص: 85].

قوله تعالى: { لأَملأنَّ جهنَّم مِنَ الجِنَّة والنَّاس أجمعين } أي: من كفار الفريقين. { فذُوقوا بما نسيتم لقاءَ يومكم هذا } قال مقاتل: إِذا دخلوا النار قالت لهم الخزَنة: فذوقوا العذاب. وقال غيره: إِذا اصطرخوا فيها قيل لهم: ذُوقوا بما نَسِيتُم، أي: بما تركتم العمل للقاء يومكم هذا، { إِنَّا نَسِيناكم } أي: تركناكم من الرَّحمة.

قوله تعالى: { إِنَّما يؤمِن بآياتنا الذين إِذا ذُكِّروا بها } أي: وُعِظوا بها { خَرُّوا سُجَّداً } أي: سقطوا على وجوههم ساجدين. وقيل: المعنى: إِنَّما يؤمِن بفرائضنا من الصلوات الخمس الذين إِذا ذُكِّروا بها بالأذان والإِقامة خَرُّوا سُجَّداً.

قوله تعالى: { تتجافى جنوبُهم } اختلفوا فيمن نزلت وفي الصلاة التي تتجافى لها جنوبهم على أربعة أقوال.

أحدها: أنها نزلت في المتهجِّدين بالليل؛ " روى معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: { تتجافى جنوبُهم } قال: «قيام العبد من الليل» " وفي لفظ آخر أنه قال لمعاذ: " إِن شئتَ أنبأتُك بأبواب الخير» قال: قلت أجَلْ يا رسول الله، قال: «الصَّوم جُنَّة، والصدقة تكفِّر الخطيئة، وقيام الرَّجل في جوف الليل يبتغي وجه الله» " ? ثم قرأ: { تتجافى جنوبُهم عن المضاجع }. وكذلك قال الحسن، ومجاهد، وعطاء، وأبو العالية، وقتادة، وابن زيد أنها في قيام الليل. وقد روى العوفي عن ابن عباس قال: تتجافى جنوبهم لذِكْر الله، كلَّما استيقظوا ذَكَروا الله، إِما في الصلاة، وإِمَّا في قيام، أو في قعود، أو على جنوبهم، فهم لا يزالون يذكُرون الله عز وجل.

والثاني: أنها نزلت في ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا يصلُّون ما بين المغرب والعشاء، قاله أنس بن مالك.

والثالث: أنها نزلت في صلاة العشاء [كأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينامون حتى يصلُّوها، قاله ابن عباس.

والرابع: أنها صلاة العشاء] والصبح في جماعة، قاله أبو الدرداء، والضحاك.

ومعنى «تَتَجافى»: ترتفع. والمَضَاجِع جمع مَضْجَع، وهو الموضع الذي يُضْطَجَع عليه.

{ يَدْعُونَ ربَّهم خَوْفاً } من عذابه { وطمعاً } في رحمته [وثوابه] { ومِمَّا رَزَقْناهم يُنْفِقونَ } في الواجب والتطوُّع.

{ فلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لهم } وأسكن ياء «أُخْفِي» حمزة، ويعقوب. قال الزجاج: في هذا دليل على أن المراد بالآية التي قبلها: الصلاة في جوف الليل، لأنه عمل يسترُّ الإِنسان به، فجعل لفظ ما يُجازى به { أُخفي لهم } ، فاذا فتحتَ ياء «أُخْفِيَ»، فعلى تأويل الفعل الماضي، وإِذا أسكنْتَها، فالمعنى: ما أُخْفِي أنا لهم، إِخبار عن الله تعالى؛ وكذلك قال الحسن البصري: أخفي لهم، بالخُفْية خُفْية، وبالعلانية علانية. وروى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يقول الله عز وجل: أعددتُ لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أُذن سمعت ولا خَطَرَ على قلب بشر، اقرؤوا إِن شئتم: { فلا تَعْلَمُ نَفْس ما أُخْفيَ لهم } ". قوله تعالى: { مِن قُرَّة أعيُنٍ } وقرأ أبو الدرداء، وأبو هريرة، وأبو عبد الرحمن السلمي، والشعبي، وقتادة: { من قُرَّاتِ أعيُنٍ } [بألف] على الجمع.