الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ وَٱخْشَوْاْ يَوْماً لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } * { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ }

قوله تعالى: { يا أيُّها النَّاس اتَّقُوا ربَّكم } قال المفسرون: هذا خطاب لكفار مكة. وقوله: { لا يَجزي والدٌ عن ولده } أي: لا يقضي عنه شيئاً من جنايته ومظالمه. قال مقاتل: وهذا يعني به الكفار. وقد شرحنا هذا في [البقرة:48]. قال الزجاج: وقوله: { هو جازٍ } جاءت في المصاحف بغير ياء، والأصل { جازيٌ } بضمة وتنوين. وذكر سيبويه والخليل أن الاختيار في الوقف هو { جازٍ } بغير ياءٍ، هكذا وقف الفصحاء من العرب ليُعلموا أن هذه الياء تسقُط في الوصل. وزعم يونس أن بعض العرب الموثوق بهم يقف بياءٍ، ولكن الاختيار اتِّباع المصحف.

قوله تعالى: { إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ } أي: بالبعث والجزاء { فلا تَغُرَّنَّكم الحياةُ الدُّنيا } بزينتها عن الإِسلام والتزوُّد للآخرة { ولا يَغُرَّنَّكم بالله } أي: بحِلْمه وإِمهاله { الغَرورُ } يعني: الشيطان، وهو الذي من شأنه أن يَغُرُّ. قال الزجاج: { الغَرور } على وزن الفَعول، وفَعول من أسماء المبالغة، يقال: فلان أَكُول: إِذا كان كثير الأكل، وضَروب: إِذا كان كثير الضَّرْب، فقيل للشيطان: غَرور، لأنه يَغُرُّ كثيراً. وقال ابن قتيبة: الغَرور بفتح الغين: الشيطان، وبضمها: الباطل.

قوله تعالى: { إِنَّ الله عنده عِلْم الساعة } سبب نزولها " أن رجلاً من أهل البادية جاء إِلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إِنَّ امرأتي حُبْلى، فأَخبِرني ماذا تَلِد؟ وبلدنا مُجْدِب، فأَخبِرني متى يَنزل الغيث؟ وقد علمت متى وُلدتُ، فأخبرني متى أموتُ " ، فنزلت هذه الآية، قاله مجاهد.

ومعنى الآية: { إِنَّ الله } عز وجل { عنده عِلْم الساعة } متى تقوم، لا يعلم سواه ذلك { ويُنْزِلُ الغَيْثَ } وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر: { ويُنَزِّلُ } بالتشديد، فلا يعلم أحد متى يَنزل الغيث، ألَيْلاَ أم نهاراً { ويَعْلَمُ ما في الأرحام } لا يعلم سواه ما فيها؛ أذكراً أم أنثى، أبيض أو أسود { وما تَدري نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غداً } أخيراً أم شرّاً { وما تَدري نَفْس بأيِّ أرض تموت } أي: بأيِّ مكان. وقرأ ابن مسعود، وأُبيُّ بن كعب، وابن أبي عبلة: { بأيَّة أرض } بتاء مكسورة. والمعنى: ليس أحد يعلم [أين] مضجعه من الأرض حتى يموت، أفي برٍّ أو بحر أو سهل أو جبل. وقال أبو عبيدة: [يقال]: بأيِّ أرض كنتَ، وبأية أرض كنت، لغتان. وقال الفراء: من قال: بأيِّ أرض، اجتزأ بتأنيث الأرض من أن يُظهر في «أيّ» تأنيثاً آخر. قال ابن عباس: هذه الخمس لا يعلمها ملَك مقرَّب ولا نبيٌّ [مرسَل] مصطفى. قال الزجاج: فمن ادَّعى أنه يعلم شيئاً من هذه كفر بالقرآن لأنه خالفه.