الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } * { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوْ فِي ٱلأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } * { يٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ }

قوله تعالى: { ووصَّينا الإِنسان بوالديه } قال مقاتل: نزلت في سعد بن أبي وقاص، وقد شرحنا ذلك في [العنكبوت:8].

قوله تعالى: { حملتْه أُمُّه وَهْناً على وَهْنٍ } وقرأ الضحاك، وعاصم الجحدري { وَهَناً على وَهَنٍ } بفتح الهاء فيهما. قال الزجاج: أي ضَعْفاً على ضَعْف. والمعنى: لزمها بحَمْلها إِيَّاه أن تَضْعُف مَرَّةً بعد مَرَّة. وموضع «أن» نصب بـ { وصَّيْنا }؛ المعنى: ووصَّينا الإِنسان أن أشكُر لي ولوالدَيْك، أي: وصَّيناه بشُكْرنا وشُكر والدَيه.

قوله تعالى: { وفِصَالُه في عامَين } أي: فِطامُه يقع في انقضاء عامين. وقرأ إِبراهيم النخعي، وأبو عمران، والأعمش: { وفَصَالُه } بفتح الفاء. وقرأ أُبيُّ بن كعب، والحسن وأبو رجاء، وطلحة بن مصرِّف؛ وعاصم الجحدري، وقتادة؛ { وفَصْلُه } بفتح الفاء وسكون الصاد من غير ألف. والمراد: التنبيه على مشقَّة الوالدة بالرَّضاع بعد الحمل. قوله تعالى: { وإِن جاهَداكَ } قد فسرنا ذلك في سورة [العنكبوت:8] إِلى قوله: { وصاحِبْهُما في الدُّنيا معروفاً } قال الزجاج: أي مُصَاحَباً معروفاً، تقول صاحبه مُصَاحَباً ومُصَاحَبَةً؛ والمعروف: ما يُستحسن من الأفعال.

قوله تعالى: { واتَّبِعْ سبيلَ مَنْ أناب إِليَّ } أي: مَنْ رَجَع إِليَّ؛ وأهل التفسير يقولون: هذه الآية نزلت في سعد، وهو المخاطَب بها.

وفي المراد بمَنْ أناب ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه أبو بكر الصِّدِّيق، قيل لسعد: اتَّبِع سبيله في الإِيمان، هذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء. وقال ابن إِسحاق: أسلم على يَدي أبي بكر [الصِّدِّيق]: عثمانُ بن عفان، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف.

والثاني: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله ابن السائب.

والثالث: مَنْ سلك طريق محمد وأصحابه، ذكره الثعلبي.

ثم رجع إِلى الخبر عن لقمان فقال: { يا بُنيَّ }. وقال ابن جرير: وجه اعتراض هذه الآيات بين الخبرين عن وصيَّة لقمان أنَّ هذا ممَّا أوصى به لقمانُ ابنَه.

قوله تعالى: { إِنَّها إِنْ تَكُ مِثقالَ حَبَّة } وقرأ نافع وحده: { مِثقالُ حَبَّة } برفع اللام. وفي سبب قول لقمان لابنه هذا قولان.

أحدهما: أن ابن لقمان قال لأبيه: أرأيتَ لَو كانت حبَّة في قعر البحر أكان اللّهُ يعلَمُها؟ فأجابه بهذه الآية، قاله السدي.

والثاني: أنه قال يا أبت إِن عملتُ الخطيئة حيث لا يراني أحد، كيف يعلَمُها الله؟ فأجابه بهذا، قاله مقاتل.

قال الزجاج: من قرأ برفع المثقال مع تأنيث { تَكُ } فلأنَّ { مثقال حبَّة من خردل } راجع إِلى معنى: خردلة، فهي بمنزلة: إِن تَكُ حبَّةٌ من خردل؛ ومن قرأ { مثقالَ حبَّة } فعلى معنى: إِن التي سألتَني عنها إِن تَكُ مثقالَ حبَّة، وعلى معنى: إِنَّ فَعْلَة الإِنسان وإِن صَغُرت يأت بها الله. وقد بيَّنَّا معنى { مثقالَ حبَّة من خردل } في [الأنبياء47].

قوله تعالى: { فتكُن في صخرة } قال قتادة: في جبل.

السابقالتالي
2