الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ يَشَآءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ فَإِذَآ أَصَابَ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } * { وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ } * { فَٱنظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ ٱللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرّاً لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ } * { فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ وَلاَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ } * { وَمَآ أَنتَ بِهَادِ ٱلْعُمْيِ عَن ضَلاَلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُّسْلِمُونَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ } * { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ وَٱلإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْبَعْثِ فَهَـٰذَا يَوْمُ ٱلْبَعْثِ وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتمْ لاَ تَعْلَمُونَ } * { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ ينفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعْذِرَتُهُمْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ }

قوله تعالى: { يُرْسِلُ الرِّياح } وقرأ ابن مسعود، وأبو رجاء، والنخعي، وطلحة بن مصرِّف، والأعمش: { يُرْسِلُ الرِّيح } بغير ألف.

قوله تعالى: { فتُثير سحاباً } أي: تُزعجه { فيَبْسُطُهُ } الله { في السماء كيف يشاء } إِن شاء بسطه مسيرة يوم أو يومين أو أقل أو أكثر { ويجعلُه كِسَفاً } أي: قِطعاً متفرِّقة. والأكثرون فتحوا سين { كِسَفاً }؛ وقرأ أبو رزين، وقتادة، وابن عامر، وأبو جعفر، وابن أبي عبلة: بتسكينها؛ قال أبو علي: يمكن أن يكون مثل سِدْرَة وسِدَر، فيكون معنى القراءتين واحداً { فتَرى الوَدْق يخرُج مِن خِلاَله } وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، ومجاهد، وأبو العالية: { مِن خَلَلِه }؛ وقد شرحناه في [النور43] { فاذا أَصاب به } أي: بالوَدْق؛ ومعنى { يَستبشِرون } يفرحون بالمطر، { وإِن كانوا مِنْ قَبْلِ أن يُنَزَّل عليهم } المطر { مِنْ قَبْله } وفي هذا التكرير ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه للتأكيد كقوله:فسجد الملائكة كلُّهم أجمعون } [الحجر:30]، قاله الأخفش في آخرين.

والثاني: أن «قَبْل» الأولى للتنزيل، والثانية للمطر، قاله قطرب. قال ابن الأنباري: والمعنى: مِنْ قَبْل نزول المطر، مِنْ قَبْل المطر، وهذا مثلما يقول القائل: آتيك من قبل أن تتكلم، من قبل ان تطمئن في مجلسك، فلا تُنكَر الإِعادة، لاختلاف الشيئين.

والثالث: أن الهاء في قوله: { مِنْ قبْله } ترجع إِلى الهُدى وإِن لم يتقدَّم له ذِكْر، فيكون المعنى: كانوا يقنَطنون من قبل نزول المطر، من قبل الهُدى، فلمَّا جاء الهُّدى والإِسلام زال القُنوط، ذكره ابن الأنباري عن أبي عُمر الدُّوري وأبي جعفر بن قادم. والمبلسون: الآيسون وقد سبق الكلام في هذا [الأنعام:44].

{ فانظُر إِلى آثار رحمة الله } قرأ أبن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم: { إِلى أَثَر }. وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: { إِلى آثار } على الجمع، والمراد بالرحمة هاهنا المطر، وأثرها: النبت؛ والمعنى: انظر إِلى حسن تأثيره في الأرض { كيف يُحيي الارض } أي: كيف يجعلها تُنبت بعد أن لم يكن فيها نبت. وقرأ عثمان بن عفان، وأبو رجاء، وأبو عمران الجوني، وسليمان التيمي. { كيف تُحْيِي } بتاء مرفوعة مكسورة الياء { الأرضَ } بفتح الضاد.

قوله تعالى: { ولَئن أَرسلْنا ريحاً } [أي: ريحاً] باردة مُضِرَّة، والريح إِذا أتت على لفظ الواحد أُريدَ بها العذاب، ولهذا " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند هبوب الريح: «اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً» " { فرأوه مُصْفَرّاً } يعني النبت، والهاء عائدة إِلى الأثر. قال الزجاج: المعنى: فرأَوُا النبت قد اصفرّ وجفَّ { لظلُّوا مِنْ بَعده يكفُرونَ } ومعناه: لَيَظَلُّنّ، لأن معنى الكلام الشرط والجزاء، فهم يستبشرون بالغيث، ويكفرون إِذا انقطع عنهم الغيث وجفَّ النبت. وقال غيره: المراد برحمة الله: المطر. و { ظلُّوا } بمعنى صاروا { من بعده } أي: من بعد اصفرار النبت يجحدون ما سلف من النِّعمة.

السابقالتالي
2