الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ذَلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } * { وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُمْ مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ } * { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُواْ بِهِ يُشْرِكُونَ } * { وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُواْ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { فَآتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

قوله تعالى: { فأقم وجهك } قال مقاتل: أخلص دينك الإِسلام { للدِّين } أي: للتوحيد. وقال أبو سليمان الدمشقي: استقم بدينك نحو الجهة التي وجَّهك الله إِليها. وقال غيره: سدِّد عملك، والوجه: ما يُتَوجَّه إِليه، وعمل الإِنسان ودينه: ما يتوجَّه إِليه لتسديده وإِقامته.

قوله تعالى: { حنيفاً } قال الزجاج: { الحنيف }: الذي يميل إِلى الشيء ولا يرجع عنه، كالحَنَف في الرِّجل، وهو ميلها إِلى خارجها خِلْقة، لا يقدر الأحنف أن يردَّ حَنَفه وقوله: { فطرةَ الله } منصوب، بمعنى: اتَّبِع فطرةَ الله، لأن معنى { فأقم وجهك }: اتَّبِع الدِّين القيِّم، واتَّبع فطرة الله، أي: دين الله. والفطرة: الخِلْقة التي خَلَق اللّهُ عليها البشر. وكذلك قوله عليه السلام: " كل مولود يولد على الفطرة " ، أي: على الإِيمان بالله. وقال مجاهد في قوله: { فطرة الله التي فطر الناسَ عليها } قال: الإِسلام، وكذلك قال قتادة. والذي أشار إِليه الزجاج أصح، وإِليه ذهب ابن قتيبة، فقال: فرقُ ما بيننا وبين أهل القَدَر في هذا الحديث، أن الفطرة عندهم: الإِسلام، والفطرة عندنا: الإِقرار بالله والمعرفة به، لا الإِسلام، ومعنى الفطرة: ابتداء الخِلقة، والكل أقرُّوا حين قوله:ألستُ بربِّكم قالوا بلى } [الأعراف:172] ولستَ واجداً أحداً إِلا وهو مُقِرّ بأنَّ له صانعاً ومدبِّراً وإِن عبد شيئاً دونه وسمَّاه بغير اسمه؛ فمعنى الحديث: إِن كل مولود في العالَم على ذلك العهد وذلك الإِقرار الأول، وهو الفطرة، ثم يهوِّد اليهودُ أبناءهم، أي يعلِّمونهم ذلك، وليس الإِقرار الأول ممَّا يقع به حُكم ولا ثواب؛ وقد ذكر نحو هذا أبو بكر الأثرم، واستدل عليه بأن الناس أجمعوا على أنه لا يرث المسلُم الكافرَ، ولا الكافرُ المسلمَ، ثم أجمعوا على أن اليهوديَّ إِذا مات له ولد صغير ورثه، وكذلك النصراني والمجوسي، ولو كان معنى الفطرة الإِسلام، ما ورثه إِلا المسلمون، ولا دفن إِلا معهم؛ وإِنما أراد بقوله عليه السلام: " كل مولود يولد على الفطرة " أي: على تلك البداية التي أقرُّوا له فيها بالوحدانية حين أخذهم مِن صُلْب آدم، فمنهم من جحد ذلك بعد إِقراره. ومثل هذا الحديث حديث عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله عز وجل: إِني خَلقتُ عبادي حنفاء " ، وذلك أنه لم يدعُهم يوم الميثاق إِلاَّ إِلى حرف واحد، فأجابوه.

قوله تعالى: { لا تبديل لَخِلْق الله } لفظه لفظ النفي، ومعناه النهي؛ والتقدير: لا تبدِّلوا خَلْق الله. وفيه قولان.

أحدهما: أنه خِصاء البهائم، قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

والثاني: دين الله، قاله مجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، والنخعي في آخرين. وعن ابن عباس وعكرمة كالقولين.

قوله تعالى: { ذلك الدِّينُ القيِّم } يعني التوحيد المستقيم { ولكنَّ أكثر الناس } يعني كفار مكة { لا يَعْلَمون } توحيد الله.

السابقالتالي
2